النص الأدبي تراكم معرفي مضاف بعضه لبعض، يتراوح ما بين النظام والفوضى من حيث وضوح مصدره وضبابيته لكونه وجوداً قائماً في العالم الخارجي، بينما الإبداع متعلق بالنفس البشريّة وهو حركة روحيّة في العالم الداخلي للمبدع، إذ يتطلب الوصول لنقطة تدفق الإشراق الإبداعي الذي ستزيد منه المبدعون على امتداد مستويات الخلق الأدبي اللا متناهي الكثير من الآراء والنظريات نظرًا لتعدد النفسيات والسلوكيات الشخصيّة واختلاف المرجعيات، إضافة لارتباطه ببؤرة الذات، وهذا ما جعل إبداع النص الأدبي يختلف باختلاف الزمان والمكان، ويُعزز ذلك الاختلاف تنوع وجهات نظر النقاد لعملية إبداع النصوص فالمتقدمون وعلى رأسهم اليونانيون يَرَوْن أن النص الأدبي هو نتيجة إلهام من قوى خفية تساعد على الإبداع مُعتبرينه نتاجاً لنواميس فوق الإنسانية، كما أن بعض عرب الجاهلية ذهب لما قال به اليونانيون بأنه وحي يوحى وفن تلقيه القوى الخفية، في حين إن البعض الآخر يرجحون أن إبداع النص مرتبط بأمور لها علاقة بالمبدع نفسه أما أن تكون فطرية كطبع- القدرة الإبداعيّة، الملكة، الموهبة، العبقرية بالمصطلح الجديد- أو مكتسبة مثل الدربة المستمرة والحفظ والبيئة، فالمبدع ابن البيئة بشقيها الزماني والمكاني فهو يتأثر بها ويؤثر فيها.
أما النقاد المحدثون فقد ظهرت لهم آراء متعددة إزاء إبداع النص أعلاها صوتًا التي تقول إن الإبداع قادم من العلاقة التي يقيمها النص مع نصوص أخرى قد تتداخل معه حدّ التشابك ليصبح نصه الجديد الذي خلقه المبدع ساحة تقاطعات نصوصيّة متراكمة في نفسه ألتهمها في وقت سابق عن طريق السماع أو القراءة أو الحفظ لتطفو أثناء الكتابة على سطح إبداعاته وكأنه يلتقيها لأول مرة، فالتناص يستمد محتواه من مصادر متشابه تتشكل عفوًا أو عمدًا في الذاكرة لِيَلد نصًا جديدًا من رحم نصوص أخرى ويكون على نوعين: تناص بوعي وهو تناص التجلي بإعادة إنتاج النص وتقوم هذه الإنتاجيّة على وعي المبدع.
وتناص اللا وعي - تناص اللا شعور، تناص الخفاء- فالمبدع غير وعٍ إذ تتماثل نصوص عدّة في نصه ويتكئ هذا النوع من التناص على الثقافة وسعة الاطلاع لدى المبدع، فالنصوص السابقة التي تناولها المبدع بأي طريقة لها دور كبير في إنتاج نص إبداعي جديد غير أن الإنتاجيّة تعتمد على اللا وعي وليس بضرورة أن يكون التناص حرفيًا فقد يشوبه تحريف وتشويش غير مقصود ولا يقف عليه إلا القارئ ذو المخزون الثقافي المُعتبر لأن النصوص التي تشبّع منها النص الجديد مطموسة المعالم الأولية كونها أضحت في سياق نصي مُغاير يعطي النص الآني دلالات مُبتكرة.
ومع اختلاف آراء النقاد المتقدمين والمحدثين حول إبداع النص الأدبي وتعدد وجهات النظر يظل إبداع النصوص حرباوياً يتلون بلون الرؤية التي يستند عليها المبدع على مستوى الذات والوعي والقيم أثناء عملية الإبداع الأدبي.
** **
- ريوف الحميدي