شريفة الشملان
أمامنا نصف ساعة فقط ولدينا خياران، إما أن نتجه للواجهة البحرية في الدمام.. نستمتع قليلاً بهواء البحر، ونرى عودة النوارس في مغربية لذيذة، نتناول كوبين من شاي الكرك، والذي كنا نسميه شاي بالحليب، وأحيانًا كنا نعرفه بالشاي العداني نسبة لأهل (عدن) وهذا ما نسعد بتناوله بين طريق الدمام والرياض، خلطة من الشاي والحليب قد بلي بلاء حسنا في الغلي، مع الزنجبيل.. أبدعت أمهاتنا في إضافة نكهات مختلفة من الزعفران والهيل ولكن يبقى الشاي في الطريق له طعم خاص.. أطلت، لنا نصف ساعة فقط بين الذهاب والإياب، كان خيارنا الثاني الذهاب لمشتل قريب في منطقة سيهات نشم هواء الزهور المختلط بروائح أخرى ونختار زهيرات وورود لحديقتنا التي بدأ جمالها مبتسمًا ضاحكًا مع الشتاء الذي لم يكن باردًا جدًا فكأنما هو ربيع سمي خطأ بالشتاء خاصة أننا لم نحصل سوى على رشات قليلة من مطر.
ولزوم تكملة الرحلة القصيرة ابتعنا من كشك قرب بيتنا القهوة الفرنسية (ندلع عمرنا قليلا).
بعد نقاش قصير كانت وجهتنا سيهات حيث المشتل، ساعدنا رذاذ المطر كي نتوقع نصف ساعتنا ممتعة في بدايتها..
بعد بضع دقائق تغير الجو والرذاذ صار مطراً وغزر، ودب الخوف في قلبي، خفت فلم تعهد ابنتي السير في المطر وهي تقود السيارة هنا. وأقنعتها أن نعود لبيتنا وزيادة في الحرص قلت لها اتجهي لأول مخرج يمين.. وسمعت الحبيبة نصيحتي، هنا بدأت المتاهة، كنت مطمئنة بضع دقائق ومتوترة أخرى. دخلنا منطقة ورش سيارات كبيرة ومن شارع صغير لآخر، ومختلف أنواع البشر مواطنون وعمالة، وطاق طيق، وهكذا مضت بنا رحلتنا في متاهة، حتى لاح لنا شارع الأمير نايف الذي سنواصل السير فيه حتى نصل بيتنا. كأننا نرى الفرج الجميل من رب العالمين.
الشيء الذي لفت نظري أننا كنا بأمان لم يلتفت أحد لهذه السيدة الكبيرة وابنتها، ولا أحد استغرب من وجودنا هناك، الكل لاه لا يهمه الأمر، رغم إحساسي بأن وجودنا كان بالمكان الخطأ إلا أن الجميع تعود على الفتيات والنساء عموماً وهن يقدن السيارات، كم كان جميلاً أن الكل أدرك هذا الحق مهما كان الزمان والمكان. هذا الشيء الجميل والمكسب الكبير لنا كمجتمع يتطور دون أن ينسى ركائزه.
انتهت رحلتنا القصيرة جداً، فلم نحصل لا على بلح اليمن ولا عنب الشام كما يقال. كل الذي ظفرنا به قهوة فرنسية لم تعرف فرنسا لها طعماً..
ترى كم منا يضطر لتغيير وجهته أو يجد نفسه فجأة بالوجهة الخطأ.. وكم مرة أجبرنا الواقع على تغيير مسارنا.
القصص والحكايات كثيرة على تغير الوجه والمسار، بعضها بسيط جداً كما حدث لنا بنصف ساعة وبعضها قد يكون تغييرًا جذريًا في الحياة والعمل، بالنسبة لي كنت أتوقع أن أكون صحفية كبيرة، وأن أوفق في إدارة برامج ومجلات، هكذا تخرجت، لكن الرياح لم تكن لطيفة بي جدًا، فكانت الكتابة هي الواجهة الوحيدة التي أطل منها ليس إلا.
لم تذهب رحلتنا سدى لكن شاهدنا بها شيئًا لم نكن نعرفه أبداً، ولم نكن نعرف كيف تعمل تلك الورش، واكتشفت أنه عندما يقول السائق في الورشة، كنت أظنها بعيدة جداً. فالغي مشروعي للخروج..
الشيء الثاني أن الناس لا يهتمون بمن راح ومن مر، وأن الدنيا أمان جداً، لذا شيء يستحق أن نحمد الله عليه ونشكره ولا بد من شكر كبير لمن منحنا كنساء أمانًا كبيرًا..
ولكم جميعاً حياة جميلة مليئة بالصحة والعافية والجمال.