د. جمال الراوي
(العقل الباطن) (The subconscious mind)، أحد مكونات العقل، وقد اختلفت التعاريف حوله، ولكنّها اتفقت جميعها على أنّه مخزونٌ لأفكارٍ ومعتقدات وطرق سلوكيّة ومهارات، اختفت من وعي الإنسان وإدراكه بسبب موانع نفسيّة أو اجتماعية أو بيئية أو دينيّة، قد يعي العقل بوجودها مخزّنة فيه، فيحاول تثبيطها ومنْعها من الظهور، أو أنّه لا يعيها ولا يعرف بوجودها فتبقى مكبوتة، لكنّها قد تظهر في ظروفٍ خاصّة، تُسهم في إخراجها من مستودعها ومستقرّها الدفين، كأن ينسى الإنسان اسم شخصٍ ما، رآه فجأة، فيحاول استذكار اسمه، فيعود إلى عقله الباطن، فيحاول نبش الأوراق المتراكمة داخله، حتى يتذكّره!!
ويُقال بأنّ العقل الباطن، هو وسيلة الإنسان إلى الإبداع، لأنّه يمتلك قدرة تخيّل عالية، ويستطيع استخراج القوى الداخليّة الكامنة في الإنسان، فيسخّرها له، ويساعده على تحقيقها في الواقع. علماً بأنّ من لديهم القدرة على تخيّل الإنجازات والابتكارات العظيمة المخزّنة في عقلهم الباطن، يستطيعون تحقيق التميّز والنجاح في حياتهم. ويعد التأمّل هو الباب الذي ينفذ منه الإنسان إلى عقله الباطن، خاصّة وأنّ عمل العقل الباطن يكون بطيئاً مع ضجيج الحياة، المترافق، أحياناً، مع التوتّر والقلق، بينما التأمّل ينقل الإنسان لاستكشاف عقله الباطن، مما يساعده على الإبداع، كما أنّه يسمح للإنسان التحدّث مع ضميره، الذين يكون بمثابة قانونٍ دفين داخل كلّ نفس إنسانيّة، وهو محكمة ذاتية تصدر أحكامها على أفعال الإنسان، فتمنعه من تأدية بعضها، أو تحاسبه على فِعلها!!
ويحاول الغربيّون إعطاء العقل الباطن قدرات هائلة، فينسبون له تأثيرات ماديّة، مثل (قانون الجذب) (Attraction Low) الذي يعني أنّ أيّ شيءٍ يفكّر به المرء سوف ينجذب إليه، إذا كان من نفس طبيعة تفكيره، ويجعلون للعقل الباطن قوة جذب مغناطيسية تجذب الأحداث، فتقع مثلما يريدها العقل الباطن!!... ومنها، أيضاً، «قانون التركيز» (Concentration Law) كأن يفكر الإنسان بالتعاسة، فتكون جميع أحكامه على الأمور سوداوية، والحالة تكون معكوسة إذا كان الإنسان مُفرط التفاؤل، فتصبح الأمور عنده سهلة وميسّرة!!... ومنها «قانون التوقّع» (Expectation Law) وهو يشبه قانون الجذب، الذي يعني توقّع الإنسان حدوث أمرٍ قبل حصوله، فيحدث كما توقّع، كأنْ يركب سيارته ويتوقّع أنّها لن تعمل فيحصل له ما توقع!!
ويتحدّثُ العلماء في الغرب، عمّا يسمى (البرمجة العصبيّة) في جسم الإنسان، والتي يختزنها عقله الباطن، فيحاولون من خلالها، علاج الأخلاق السيئة والممارسات المشينة عند بعض الناس، خاصةً المجرمين منهم، فيقومون بنزع الأخلاق المشينة والأفكار السوداويّة من عقولهم وتفكيرهم، ثم إعادة برمجة أدمغتهم مرة أخرى، وهي محاولات تجريبية لا تخضع لأي قانون علمي صريح، وتشبه عملية «غسيل الدماغ» (Brain washing)، والتي تُعدّ عملية مُعقدة، وتقوم بها دوائر دولية واستخباراتيّة كُبرى، حيث يقومون بعزل الإنسان عن محيطه الخارجي وإخضاعه لأساليب وضغوطٍ مدروسة ليمسحوا منه «العقل الباطن»، ثم يحاولون إعادة تلقينه أفكاراً جديدة، وتغيير اتجاهاته الفكريّة، وذلك بعد تحريره وتخليصه من أفكاره السابقة، ومن ثمّ يقومون بتوجيهه لتنفيذ مُهمات خاصّة استخباراتيّة أو غير ذلك.