روان صالح النويصر
كان هناك رجل يمشي في أحد الأحياء الفقيرة، فوجد سيدةً عجوزاً تدّعي أنها تبصر الأقدار، فنادت الرجل: يا سيدي، يا سيدي، قف لحظة.
وقف الرجل ونظر إليها مبتسمًا، قالت: لو كان بإمكانك معرفة شيء واحد فقط من بين ثلاثة أشياء ماذا ستختار أن تعرف.. من أكبر أعدائك؟ كم ستعيش؟ أو متى ستجد حب حياتك؟
فكر الرجل برهةً، ثم قال: لقد وجدت بالفعل حب حياتي، ولا يهمني كم سأعيش ما دمت سعيداً، ولكني أريد معرفة من أكبر أعدائي لأحترس منه.
أعطته المرأة صندوقاً وطلبت منه أن يفتحه، ثم قالت: ستجد صورة عدوك بالداخل.. بعد أن فتح الصندوق وجد مرآةً تعكس صورته، ابتسم لها بهدوء وأخرج نقوداً من محفظته ووضعها في الصندوق، وأكمل طريقه، ولكن انعكاس صورته لم يفارق ذهنه تلك الليلة.
كيف يمكن أن نصبح أكبر أعدائنا؟ حين نجلد ذاتنا ولا نكف عن تأنيبها حين نشعر بالإحباط أو حين نفشل. ويستمر جلد الذات طويلاً إلى أن تذبل أرواحنا وتفقد شهيتها للحياة.
ما الذي يجعل الحياة مضمار سباق؟ ولم نسِر على جدول زمني محدد؟ ففي بداية العشرين يجب أن أكمل دراستي، ويجب أن أحصل على وظيفة أحلامي، ووصولاً لنهاية العشرين يجب أن أجد نصفي الثاني، أما في عقد الثلاثين فيجب أن أحصل على منزل وأبدأ مشروعاً ما، وفي حال لم تسِر الأمور بحسب جدولك الزمني الوهمي، ولم تحصل على الأشياء التي وضعتها ضمن ذلك الإطار ستنهار وتحبط، وتبدأ في معاتبة نفسك على تقصيرك. سيشغل الفشل جلّ تفكيرك، بينما تتوارى النجاحات التي غالباً ما تكون صورتها باهتة وغير واضحة بسبب تلك الضغوطات التي جاءت منك.
قيل لك إن النجاح وتحقيق الأهداف يجب أن يحصل في بداية العمر، وإلا سيحكم عليك بالفشل!
وقيل لك إن الثراء إن لم تحققه الآن، فلن يتحقق غداً؟
وقيل لك إن نصفك الثاني إن لم تجده وأنت شاب، فلن تجده أبدًا؟
لماذا نضع قيوداً وهمية ونبدأ في تحميل أنفسنا ما لا طاقة لها به، في سبيل تحقيقها ضمن إطار زمني محدد؟
هل بحثت خلف قصص نجاح الكثير ممن تراهم رواداً في مجالات عدة؟ ستجد أغلبهم نشأوا تحت ظروف قاهرة، ومسيرتهم لم تكن قصيرة، بل امتدت عند بعضهم لسنين طويلة.
على سبيل المثال، في قصتنا الأولى صاحب سلسلة المطاعم الشهيرة كنتاكي، حيث ولد سنادرز لعائلة فقيرة، توفي والده وهو بعمر السادسة، وكانت أمه تعمل في أكثر من وظيفة لتأمين معيشتهم، لذلك أصبح هو من يهتم بإخوته. كان يطهو لهم الطعام، ومنها بدأ تعلم الطهي في سن السابعة وأحبه جدًا، لكنه يجب أن يعمل بعد ذلك ليساعد والدته، فعمل في أكثر من مهنة، منها العمل في المناجم، إلى قيادة العبّارات، حتى العمل في محطات الوقود، وبيع إطارات السيارات.
لكنه لم ينسَ شغفه الأول، حبه للطهي هو الذي جعله يؤسس مشروع أحلامه وهو بعمر الأربعين، كان يبيع الدجاج على عربة بالقرب من محطة القطار، ولكن سرعان ما تراكمت عليه الديون، ثم فشل المشروع مما اضطره إلى بيع العربة لتسديد ديونه.
عاد للعمل بعدة وظائف أخرى، وحلمه لم يتوارَ عن ذهنه ليلة، لم يشكك في قدراته لحظة، وكان يعلم أن العوائق كثيرة ويجب أن يفكر خارج الصندوق، لذلك عرض فكرته على عدد من المستثمرين وهو في عمر الخامسة والستين، لاقت خلطته السرية استحسان الكثير، مما دفعهم إلى الاستثمار. بذلك أصبح حلم الطفولة واقعاً حتى ولو في نهاية الستينيات.
هل تعلم ماذا يعني ذلك؟ أن تحمل شغفك بداخلك أكثر من خمسين عاماً؟
صنع مجده لأن العوائق لم تبدد حلمه، لأنه لم يخضع تحقيقه ضمن إطار زمني، فكل يوم جديد يأتي حاملاً معه الأمل لتحقيقها، فالمجد وإن تأخر فإنه يدوم العمر كله، بل يمتد إلى ما بعد ذلك.
محور قصتنا الثانية (جو مالون) أشهر صانعة عطور بالعالم، وهي فتاة تنحدر من الطبقة الكادحة، تفككت أسرتها في عمر صغير، غادر والدها المنزل، وأصيبت والدتها بانهيار عصبي شديد أُودعت على أثره مستشفى الأمراض النفسية. لم تجد (جو) أمامها سوى أن تعمل جاهدةً لكسب المال حتى موعد خروج والدتها من المستشفى. كانت تبلغ من العمر أحد عشر عاماً، وكانت والدتها تعمل في مجال مستحضرات البشرة والتجميل، بدأت بصناعة الصابون وبيعه في الحي، امتدت الرحلة حاملةً في طيّاتها مجموعة خيبات وانهزامات، إلى أن أسست علامتها التجارية (جو مالون) فحققت ثراءً فاحشاً.
هل تعتقد أن القصة انتهت هنا؟ لا، فبعد أن أسست إمبراطورية تحمل اسمها، اضطرت إلى بيعها بسبب عقبات كثيرة، ولم تعانِ فقط من الخسارة، بل باعت اسمها للشركة الجديدة، ولم يعد لها الحق في استخدامه مستقبلاً.
ألقت الكثير من اللوم على نفسها لعدم مقدرتها على حفظ إرثها بعد كل ما عانت منه للوصول إلى القمة، ولكن بعد فترة استوعبت أن جَلْد الذات لن يعيد لها ما فقدت، فمهما كان الأمر سيئاً، أمامك دائماً ثلاثة خيارات؛ إما تغيير الوضع، أو تقبله، أو تغيير الطريقة التي تنظر بها نحوه.
(جو مالون) لم تعد قادرة على القيام بأكثر أشيائها حبًا في الحياة، وهو صناعة العطور.. فماذا ستفعل الآن؟
بمجرد انتهاء عقد عدم المنافسة، بدأت في بناء إمبراطوريتها الثانية تحت اسم (جو لفز).. عكست في قصتها روح التحدي ورفض الخضوع للظروف الخارجية.
يمكن تحقيق أحلامك في أي عمر، أَعِد المحاولة، وفي حال فشلت، اعلم أنه لا وجود لجدول زمني للنجاحات وتحقيقها، ما دمت تضع أهدافًا أمامك، وتسعى إلى تحقيقها -ولو كانت على المدى البعيد- فأنت تسير بالمسار الصحيح.
وصولاً لقصتنا الثالثة عن الممثل الأمريكي (هارسون فورد)، بطل سلسلة أفلام (إنديانا جونز)، حيث لم يدخل عالم التمثيل إلا بعمر الثلاثين، وكان قبلها يمارس مهنة النجارة، يقبض بالساعة أقل من دولار.. هل شكّك بقدراته؟ هل قال لنفسه أنا مجرد نجار كيف سأدخل عالم التمثيل؟ ما الذي يميزني دون غيري لأحصد كل هذه الشهرة؟ لا لأنه كان مؤمناً بأن لديه شيئاً مختلفاً ليقدمه.
خذها مني قاعدة إن كنت تشكك بنفسك ولو قليلاً، لن يؤمن بك أحد مهما ادعيت أنك واثق من نفسك، فالناس من حولك تشعر، والشخص غير الواثق من نفسه طاقته تصل إلى مَن حوله، لذلك آمن بنفسك أولاً، ثم ابدأ طريقك لتحقيق ما تؤمن به.
مصممة الأزياء (فيرا وانج) محور قصتنا الرابعة، لم تصمم زيها الأول حتى بلغت عمر الأربعين، وتعد اليوم من أنجح سيدات الأعمال في العالم بصافي ثروة يُقدر بنحو 460 مليون دولار.
أما بطل قصتنا الأخيرة (ماجد الرافعي) مثال الشاب الذي يُحتذى به، فقد بدأ العمل كحارس أمن في إحدى الشركات الطبية، ليستطيع أن يكمل دراسته الجامعية، لأن حلمه أن يصبح صيدلياً، فكان ينظر إليهم كل صباح وهم يدخلون الشركة مرتدين زيهم الطبي، ويحلم بأن يصبح زميلهم في يوم، مؤمناً بأنه لا يقل عنهم بشيء، ولكن ظروفه تختلف عن ظروفهم فقط، لذلك اختار تخصص الصيدلة، وأكمل تعليمه ولم يترك وظيفته، فقد استطاع الموازنة بين العمل والدراسة، فهو وإخوته يرعون والدتهم، فلم يكن لديه خيار ثانٍ.
تخرّج ماجد وها هو اليوم يعيش حلمه كل صباح وهو يرتدي معطفه الأبيض ويذهب إلى شركة الأدوية الذي يعمل بها. لم يضع ظروفه شماعة، ولم يجلس متقاعساً عن تحقيق حلمه، وضعه لم يعجبه فاختار تغييره لأنه يستطيع، ليس هو فقط، كلنا نستطيع تغيير أي شيء لا يعجبنا إن كنا شجعاناً لفعل ذلك، فالإرادة هي أعظم أنواع الشجاعة.
يختلف الأشخاص مثل اختلاف البصمة، حيث لكل واحد منا قصته وطريقه الذي لا يشبه طريق أحد آخر، لا تقارن نفسك بغيرك، بل قارن نفسك فقط بنفسك، فحياتك وظروفك تختلف عمّن هم سواك. ضع أهدافًا واضحة واسعَ نحو تحقيقها ولا تربطها بالوقت.
ولتدرك أنك نحو الطريق الصحيح، اسأل نفسك.. هل تكبر كل عام -ولا أقصد بسؤالي هل تتقدم بالعمر- ولكن هل تكبر؟ هل يكبر عقلك وتفكيرك؟ هل تتعاطى مع المواقف التي تتعرض لها بنفس الطريقة التي كنت تتعامل بها مسبقًا؟ هل تتجاوز بسرعة؟ أم تقف طويلاً على الأطلال؟
نحن نكبر بالتجارب، وهي التي تقيس تقدم حياتك أن تصبح أفضل -ولو قليلاً- في كل عام؟ هل تضع خطة واضحة لتحقيق الأهداف، كالادخار مثلاً لشراء شيء معين، أو تغيير أسلوب حياتك نحو إنقاص وزنك حتى لو كان بسيطاً، فأنت تمشي نحو الطريق الصحيح.
تعلم لغة جديدة بسبب الموارد القليلة، يأخذ معك إتقانها 5 سنوات، رغم أن غيرك الذي استطاع السفر ودراسة اللغة بسبب ظروفه المادية الأفضل منك، أتقنها خلال عام! هل يعني أنك فاشل وهو ناجح؟ لا لأنه لا يهم كم من الوقت أخذت للوصول إلى مبتغاك، المهم أنك وصلت.
العالم مليء بالصعوبات، فرفقًا بنفسك، اعلم يقيناً أن جميعنا نخوض صراعاً داخلياً كل يوم لنحقق ما نتمنى ونحلم به، لكن لا تنسَ وأنت في الطريق.. استمتع بالرحلة، ففيها يكمن سر الحياة نحو القدرة بالاستمتاع رغم الصعاب.
أُهدي هذا المقال إلى الشخص الرائع الذي يعيش كل يوم بسعادة رغم أنف الهزائم، رغم كل ما يحمله بقلبه من خُذلان، لا تنسَ أن الله -عز وجل- لن يخذل لك محاولاتك، ولن يكسر لك حلماً، فقط ثق بالله.
«هي عقود ستمضيها وتموت.. استمتع بحياتك، ابحث عن طموحك، حقق رغباتك.. لا يفصلك عن الموت سوى أيام تعيشها.. أيامك معدودة ونادرة، استمتع بها قدر الإمكان»- محمد الخميس (رحمه الله).
** **
- كاتبة ومهتمة بتطوير الذات