عليك سلام الله مني تحية
ومن كل غيث صادق البرق والرعّد
ما من شك أن تتابع الراحلين إلى دار المقام الدَّار الآخرة، من والدين وإخوة، ومعارف كرام كُثر له بالغ الأثر في أغوار النفوس، تبقى آثاره حُزنًا لاصقًا في جدار الذاكرة أزمانًا طِوالاً، وهذا مثل حال أسرة آل القلعي التي فُجعت برحيل الشيخ الفاضل إبراهيم بن عبدالعزيز، وقبله بشهور شقيقه عبدالرحمن (أبو عبدالعزيز) -رحمهما الله- كان الله في عونهم، وعون أبنائهم وبناتهم وأسرتهما عمومًا.., حيث فرَّت روح الشيخ إبراهيم إلى بارئها متزامِنة مع طلوع فجر يوم الخميس 6-7-1442هـ وهو يصلي: خاتمة خير وبركة له ورحمة وفضل من رب العباد، بعد عمر مديد وحياة حافلة بعبادة الله، وبالأعمال المشرفة وبالإخلاص في أعماله التربوية في حقل التعليم...، وحسن التعامل مع الكبير والصغير، ثم أُديت صلاة الميت عليه عصر يوم الخميس 6-7-1442هـ وووري جثمانه الطَّاهر بمقبرة (صفيه) بمحافظة حريملاء:
مُجاور قوم لا تزاور بينهم
ومن زارهم في دارِهم زار هُمّدا
ولقد وُلد في بلد آبائه وأجداده بحريملاء عام 1355هـ، وعاش بين أحضان والديه وبين إخوته وشقيقتيه، في أجواء تآلف ومرح, وقد باكره فقد البصر وهو صغير، وعند بلوغه السابعة من عمره درس في مدرستي الكتَّاب لدى المقرئ لتعلم الكتابة وحفظ القرآن الكريم لدى المقرئ الشيخ محمد بن عبدالله الحرقان، ثم انتقل إلى مدرسة المقرئ محمد بن فهد المقرن شيخي الذي ختمت عليه القرآن كاملًا -رحم الله الجميع- بعد ذلك درس بالمدرسة الابتدائية بحريملاء حتى الصف الثالث.., بعدها سافر إلى المنطقة الشرقية، ملفيًا على إخوته: محمد وسعد وعبدالرحمن -رحهم الله- حيث كانوا يعملون هناك لشح الوظائف بنجد وقلة المادة لديهم، مستحضرين معنى هذا البيت الذي يحث على طلب الرزق في مظانه وإن بعد:
نقل ركابك عن ربع ظمئت به
إلى الجناب الذي يهمي به المطرُ
وقول الأمام الشافعي:
ما في المقام لذي عقل وذي أدب
من راحة فدعِ الأوطان واغترب
سافر تجد عوضًا عمن تفارقه
وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
والحمد لله غير الله من حال إلى أحوال أفضل في جوانب وطننا الحبيب إلى قلوبنا تحت رعاية ملوكنا الأجلاء -تغمد الله الراحلين منهم برحمته- وأسعد الحاضرين الباقين، بعد ذلك رجع الشيخ إبراهيم إلى الرياض مواصلًا دراسته بالمعهد العلمي، ثم تخرج من كلية الشريعة عام 1388هـ وقد تتلمذ على فضيلة الشيخ صالح الفوزان، والشيخ الفاضل عبدالعزيز آل الشيخ، وعلى زميلنا الشيخ الحبيب صالح الأطرم، بعد ذلك عُيِّن مدرسًا في مكة المكرمة، مجاوراً لبيت الله الحرام فترة من الزمن، ثم استبد به الحنين إلى نجد، فتم نقله إلى مدينة الرياض واستمر في أداء عمله بكل جد وإخلاص، حتى أخلد للراحة متقاعداً عام 1415هـ، وقد حبب الله إليه العطف على المرضى من أقاربه ومن غيرهم، يأتون إليه في منزله الواقع غرب مدينة الرياض بحي العريجا مجاورًا لأصدقائه أبناء خالي المشايخ: مشعل بن عبدالرحمن المشعل وعلي وسليمان، فيرقى كل من يؤمه في منزله من المرضى، كما أنه يزور البعض في المستشفى احتسابًا للأجر من رب العالمين، فهو نحسبه مستجاب الدعوة كما في الحديث: «أطب مطعمك تكن مُستجاب الدعوة». فمنزله مفتوحًا لقراءة القرآن الكريم والرقية الشرعية، -رحمه الله رحمة واسعة- وإذا لاحظ على البعض أنه ليس مريضًا وإنما توهمًا فإنه ينصحه بأن يتوكل على الله تاركًا التفكير والوساوس التي تقلقه وتنغص عليه حياته.., ذاكرًا قول الشاعر المصري حفني بك:
وعللوُهم بآمال مُفرحةٍ
فطالما سرَّت الآمالُ محزُونا
لولا الأماني فاضت رُوحُهم جزعا
من الهُمُوم وأمسى عيشُهم هُونا
واليَأسُ يُحدثُ في أعضاءِ صَاحبه
ضعفًا ويُورثُ أهل العزمِ توهينا
وكان في عام 1380هـ (مطوعًا) في قصر الملك سعود، وبعد ذلك في قصر الأميرة العنود بنت الملك عبدالعزيز، يصلي بهن في أشهر رمضان المبارك: وكذلك في قصر الملك عبدالله بن عبدالعزيز - تغمد الله الجميع بواسع رحمته ومغفرته-، وكان إمام مسجد أكثر من ثلاثين عامًا، وقد عاش مكافحًا واصلاً لرحمه -رحمه الله- عفيف النفس ومحبوبًا سمح المحيا، تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم أسرته وأبناءه وبناته، وعقيلته أم عبدالعزيز وشقيقته أم عبدالعزيز الشبيب الصبر والسلوان.
ولسان حال الراحل يقول:
وإن يأخذ لله من عينيَّ نورهما
ففي لساني وقلبي منهما نورُ
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف