د. محمد عبدالله الخازم
أحد أهداف 2021م المعلنة تتمثل في استقطاب جامعات أجنبية لفتح فروع أو مقار لها بالمملكة. تأخرنا كثيرًا، وسبقتنا دول الجوار، لكن يمكننا اللحاق متى توافرت العزيمة وتضافرت الجهود. كمؤشر على تأخُّرنا في هذا الشأن، أذكر أنني كتبت عن هذا الموضوع قبل عشرين عامًا عندما التحقنا بركب منظمة التجارة العالمية. بعيدًا عن شرح أسباب التأخر، أيديولوجية أو إدارية أو اجتماعية، أبدأ بتشخيص الواقع، وفهم الثغرات والعوائق؛ لنتمكن من ردمها، ومن ثم رسم الخطوات العملية للمستقبل.
البيئة التنظيمية: لا يوجد نظام واضح للتعليم العالي الأجنبي في المملكة، بل إن نظام التعليم الجامعي الحالي يعتبر غير ناضج، أو كما وصفته سابقًا بأنه نسخة (بيتا) وفق تعريفات التكنولوجيا. حمل وعودًا، قبل أن يجف حبر كتابتها تفككت استراتيجية التعليم العالي، وتاهت خطوات التطبيق؛ فأصبح نظامًا يدور في الرأس أكثر منه في الكراس.
كمستثمر في هذا المجال، لا يمكن الإقدام دون وضوح تشريعي واضح لمؤسسات التعليم العالي، الحكومية والأهلية والأجنبية. أسئلة تشريعية عديدة: لا نعرف كيف يتم التعامل مع الجامعات التي مُنحت استقلالية؟ وهل لها مرجعية تعليمية أم لا؟ ما هي الآليات التي سمحت بخروجها من مظلة نظام التعليم الجامعي؟ كيف سيتم معاملة المستثمر الأجنبي في هذا المجال؟ البيئة التنظيمية ليست فقط في النظام، بل حتى في المرجعية، فهل ستكون مسؤولية استقطاب جامعات أجنبية وزارة على الاستثمار أم وزارة التعليم أم جهات أخرى؟
البيئة الثقافية: في التعليم الجامعي تبدأ الثقافة من الجامعات السعودية القائمة. وللأسف جامعاتنا شبه معزولة في موضوع التعاون الدولي، وتعاملاتها الدولية أغلبها شراء استهلاكي للمناهج وبعض الخدمات المتواضعة أو ابتعاث معيديها للخارج. أما غير ذلك فعبارة عن جهود فردية وليست مؤسسية. لا يوجد أي تبادل طلابي أو ثقافي أو بحثي ملحوظ مع جامعات العالم، ولا توجد توأمة مع جامعات أجنبية، رغم أن التدويل أحد عناصر الجامعة الريادية، وهو المصطلح الذي استخدمه نائب وزير التعليم للتبشير بهوية جديدة للتعليم الجامعي. الملحقيات الثقافية قصت أجنحتها المتعلقة بالعلاقات الثقافية والأكاديمية، وأصبحت مجرد مكاتب لمتابعة شؤون المبتعثين، وإدارة التعاون الدولي بوزارة التعليم دورها محصور في أعمال سكرتارية اجتماعات الوزارة مع بعض المنظمات الدولية. هذا يعني ضعف ثقافة التعاون الدولي وأدواته في تعليمنا الجامعي؛ وبالتالي غياب القوى الجاذبة لمؤسسات أجنبية ذات قيمة وجودة كبرى.
التجارب السابقة: المستثمر يبدأ سؤاله أو بحثه في التجارب السابقة. وأهم التجارب الحديثة لدينا تمثلت في كليات التميز، وقد فشلت وانسحبت منها الكليات الأجنبية. الفكرة أكبر من مجرد عقود تجارية، بل بنى قانونية وتشريعية وأمنية واستثمارية، لم نتمكن من توفيرها أو الوفاء بها بشكل كامل. لا أدري، هل تم تشخيص التجربة بعمق من قِبل وزارة التعليم وجهات الاستثمار الأجنبي أم تم دفنها ونريد البدء من جديد قبل تشخيص السابق. نتحدث عن تجربة، لا يهم إن قامت بها مؤسسة التعليم التقني أو وزارة التعليم؛ ففي النهاية كلتاهما جهتان وطنيتان.
تلك العوائق نحتاج إلى بحثها. وفي المقال القادم أطرح مقترحًا في آلية استقطاب الجامعات الأجنبية.