م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي كانت امتداداً لورشة العمل الكبرى التي عاشتها المملكة منذ منتصف السبعينيات.. وكنت تجد كل أخلاط الجنسيات في العالم يعملون معاً في المشاريع والإدارات الحكومية والخاصة.. وكانت أيضاً مرحلة عودة المبتعثين السعوديين من الدراسة في الخارج وكنت أحدهم.. هيأ الله لي أن أعمل في إدارة هندسية حكومية يطغى عليها العنصر السوداني من مهندسين وفنيين وقانونيين ونساخ.. كان أكثر من نصف الإدارة سودانيين.. وكانت إدارة كبيرة.. فكانت سنوات تدريبي الأولى على أيديهم واكتشفت فيهم أشياء عجيبة وفريدة غير بشرتهم السمراء.. وإليكم بعض ما اكتشفت:
1- السمة المباشرة التي تراها فوراً في السودانيين كأفراد هي الاستقامة في السلوك والتدين المعتدل.. والاندماج في المحيط والاهتمام بالإعلام وحب قراءة الصحف.. وتشجيع الأندية السعودية وبالذات النصر.. وهم الوحيدون من بين الجميع الذين قد يحضرون للعمل بالبدلة أو بلباسهم التقليدي.. بينما يتقيد السعوديون بالثوب والبقية بالبدلة فقط.
2- التكافل بين السودانيين ظاهرة أخرى تستحق الالتفات والاحترام والاقتداء.. فهم يستقبلون القادم الجديد من السودان الذي يأتي بتأشيرة حرة كما كان شائعاً في الثمانينيات.. فيهيئون له المقام والمعاش حتى يجد عملاً.. ثم يسهم بدوره في صندوق التكافل السوداني الذي كفله حين قدومه.
3- والسوداني مرتبط بشدة بعائلته.. ونادراً ما تجد سودانياً يعيش عازباً.. فهم غالباً لا يسافرون إلا ومعهم أسرهم.. فإذا قدم للعمل فهو يقدم بكامل أسرته.
4- كفاءة الأداء لدى السوداني مرتفعة.. وهو يعمل في صمت وصوته هادئ.. ولا أدري من أين أتت تشنيعة أنهم كسالى فهذا غير صحيح.. والأكيد أنهم مثابرون لكنهم لا يحبون ساعات العمل الطويلة بعد أوقات العمل الرسمية لأنهم ملتزمون بأسرهم.
5- السوداني هادئ بطبعه لكنه إذا انفعل غاضباً فهو غالباً يخرج عن طوره.. وهو ذو عاطفة جياشة تجاه دينه وعروبته وسودانيته.. لهجته مفهومة وحديثه ناعم وخطابه لين.. ولديه آداب رفيعة في اللقاء والترحيب والإنصات.. وخلال الأربعين سنة الماضية التي عملت فيها مع سودانيين وزاملتهم طويلاً لم أر فيهم فرداً لجوجاً أو لحوحاً أو ممجوجاً.
6- السمة الطاغية على السودانيين هي التواضع الجم والحياء الشديد والاحترام الذي يبدونه لكل من يقابلونه.. كما أنهم ليسوا كبقية العرب مشحونين على غيرهم من أشقائهم العرب.. ربما هناك نوع من التنافس الإقليمي (رياضة) مع الشقيق المصري لكنه لا يتجاوز إطار الذوق واللياقة حتى في أشد مناكفاتهم فيما بينهم.