رمضان جريدي العنزي
كل العلاقات معرضة للانتهاء والقطع والتلاشي والذوبان، وكل التجارات معرضة للخسارة والفقد والتكلس والضياع، إلا العلاقة مع الله فإنها حبل متين، والتجارة معه دائماً رابحة ونافعة ومفيدة وفيها مغنم كبير وعظيم، وعاقبتها دائماً إلى خير، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} إن التجارة مع الله لا تخسر ولا تبور، فهي متعددة ومتنوعة، كالطاعة والصلاة والاستغفار والتسبيح والتحميد والهلهلة وقراءة القرآن، والسعي إلى قضاء حوائج الناس، ومشاركتهم في السراء والضراء، والصدقات في السر والعلن، والبر والإحسان، وترك الغيبة والنميمة، والهمز واللمز، والكذب والبهتان، والإشاعة والإرجاف، كل هذه الأشياء توصل لرضا الله، والفوز بجزيل ثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه، أن الله لا يخذل مطلقاً من يتاجر معه، ولا يفشله، ولن يضيع جهده، وسيسهل عليه التعب والمشقة، ويضيء له الفجوج والمسالك والدروب، أن التجارة مع الذي يملك خزائن السموات والأرض وممن يعطي على الشيء القليل الأجر الكثير المضاعف، أمر مصان ومضمون، فخزائنه ملأى لا تغيضها النفقة ولا ينقصها شيء، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}، فكلّ تجارة مع الله عزّ وجلّ لا يمكن أن تبور بحال من الأحوال، والدّنيا سوق، والنّاس كلّهم تجار، يقول سيّد الخلق -صلّى الله عليه وسلّم-: (الدّنيا سوق قام ثمّ انفض، ربح فيه مَن ربح، وخَسِر مَن خسر، كلّ النّاس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)، أن التجارة مع الله نوع خاص من التجارات تفترق عن سائر تجارات الدنيا، لأنّها معاملة بين العبد الفقير الضّعيف المحتاج والربّ الغني القادر القاهر، أن التجارة مع الله سلعتها الطاعات، وثمنها الحسنات يضاعفن من حسنة إلى عشرة إلى سبعمائة وأكثر، والذين يجيدون هذه التجارة الرابحة هم من عرفوا الله فخشَوه، رقت له قلوبهم، ودمعت من خشيته عيونهم، ولم تنقطع به قط صلتهم، وكان ما بينهم وبينه دائمًا عامر، وكان همهم الأول والأخير رضاه، أن التجارة مع الله، تجارة لا تعرف الخسارة أبداً، وهي دائماً رابحة وفي زيادة، أن علينا أن نمتن ونقوي الرابطة والعلاقة مع الله ونوطدها، وأن ننمي التجارة معه وننوعها حتى نفوز بثوابه وعفوه وجنته ورضاه.