فدوى بنت سعد البواردي
قد يتساءل البعض عن هذا العنوان للمقال.. ما هي الدبلوماسية السياسية الرقمية..؟ وذلك ظناً من البعض أنه لا توجد نقاط التقاء مباشرة بين السياسي المثابر في مجال الدبلوماسية والسياسات والقضايا الدولية، وبين التقني المنهمك في مجال التحول الرقمي والبرمجيات. وقد يعتقد البعض كذلك أن العمل السياسي لا يلتقي مع العمل التقني إلا في نقاط محدودة وهي استخدام البرامج التقنية اللازمة لانعقاد المؤتمرات أو تحضير وعرض التقارير والأبحاث السياسية على الشاشات والأجهزة، وكذلك حماية الشبكات لضمان سرية وخصوصية المعلومات، وأن هذا كل شيء...
لكن.. وفي هذه المقالة.. سنجد أن الواقع مختلف قليلاً..
إذ إن هناك العديد والعديد من المحاور الحيوية الأساسية الأخرى والتي تجمع بين هذين المجالين، وفيها يلتقي السياسي مع التقني بشكل تفاعلي كبير، وسوف نخوض بتفاصيل أربعة من تلك المحاور الحيوية.
المحور الأول هو «الدبلوماسية الرقمية» أو ما يعرف بمصطلح Digital Diplomacy، وهو استخدام السياسيين لوسائل التواصل الاجتماعي الشائعة، أو ما يعرف بـ Social Media، مثل منصات تويتر وفيس بوك وانستقرام وكلوب هاوس وغيرها، لجذب الملايين من مستخدميها، محليًا ودوليًا، وإقناعهم بوجهات النظر السياسية المختلفة مما يساعد في كسب الدعم الشعبي والدبلوماسي المطلوب. وبعض الأمثلة لذلك هي الاعتماد الكبير من قبل السياسيين على بعض تلك المنصات التقنية وعلى الدعم التقني للعاملين بها أثناء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك من قبل منظمة الأمم المتحدة قبيل إصدار القرارات السياسية في القضايا الدولية المهمة، وغيرها من الأمثلة ذات الصلة.
والمحور الثاني هو «دبلوماسية البيانات» أو ما يعرف بمصطلح Data Diplomacy، وهو قدرة متخذي القرار من السياسيين على استخدام سبل الذكاء الاصطناعي للاطلاع على تحليلات الكم الهائل من البيانات المتوفرة في الأنظمة وشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها والمتعلقة ببيانات السياسات المحلية والدولية، والتنبؤ بالنتائج المستقبلية، ويُعرف هذا الكم الهائل من البيانات التحليلية المتاحة للسياسيين من قبل التقنيين بمصطلح Big Data وهو ما يُعد ثروة في حد ذاتها. ومثال لذلك، هي الاحترازات الدولية التي تبناها الساسة عالمياً لمكافحة انتشار «كوفيد- 19» بناء على البيانات والإحصاءات لعدد المصابين محليًا وحول العالم.
أما المحور الثالث فهو «الحوكمة العالمية للإنترنت» أو ما يعرف بـGlobal Internet Governance، ويدور هذا المحور حول النقاشات والاتفاقات، بين السياسيين والتقنيين، والعمل المشترك على مواجهة التحديات الدولية بخصوص حوكمة الفضاء السيبراني (أو الفضاء الإلكتروني المشترك) والأمن السيبراني وأمن المعلومات ومكافحة الاختراقات للأنظمة والشبكات، ومدى تمكن الدول من وضع السياسات وسن القوانين التقنية الدولية، لتعريف وتعزيز مبادئ وشروط وأبعاد إستراتيجية تلك الحوكمة العالمية وسياساتها. وتوجد الكثير من الأمثلة على بعض محاولات الاختراق التقني والتي تم مناقشتها وتتبع أبعادها من قبل السياسيين متخذي القرار وكذلك الهيئات الدولية، وغيرها من الأمثلة.
والمحور الرابع والأخير في هذا المقال هو «التقنيات الرقمية المتعلقة بالاقتراعات» أو ما يعرف بـDigital Electoral Technologies، وهي تتضمن الوسائل التقنية التي تساعد السياسيين على معرفة التحديات الخارجية التي قد تؤثر على نتائج الاقتراعات الرقمية المحلية، خاصة بعد التوجه الحديث لاستخدام التقنية أثناء الاقتراعات، وإيجاد حلول مشتركة لضمان الشفافية. وهذا نطاق للتعاون المشترك بين السياسيين والتقنيين.
وأخيراً وليس آخراً، من الجدير بالذكر أنه أصبح هناك أهمية قصوى لضرورة وجود تحليلات صحيحة ودقيقة للبيانات ووجود أنظمة تقنية ذات مصداقية، في حال الاستناد عليها من قبل بعض السياسيين والمنظمات الدولية أثناء اتخاذ القرارات الدبلوماسية المهمة والمصيرية للدول. وبذلك، المعادلة الحسابية تصبح «تحليلات تقنية ذات مصداقية = قرارات سياسية فعالة».