رحلت حصة بنت عبدالله بن نوفل الربيعة بعد معاناة طويلة مع المرض، غادرت هذه الدنيا الفانية وقد كافحت وصبرت على ما ألمّ بها من امتحان وأحسبها أنها كانت عبدةً صابرة راضية بقضاء الله وقدره لم أرها يوماً متبرمة أو ساخطة أو ضائقة، وكل ما زرتها وجدتها تحمد الله وتشكره على نعمه... ولدت في بلدة عشيرة سدير في عام 1353هـ وعاشت كأقرانها حياة بسيطة بدائية لا كهرباء ولا ماء صحي ولا تعليم بيوت من الطين والحياة الصعبة التي لا ترف فيها عاشوا وتعايشوا مع بيئتهم الصعبة التي عانى منها ذلك الجيل وكانوا عباداً شاكرين - أذكر أنه في التسعينات الهجرية وما قبلها كنّا نزور عشيرة بين فترة وأخرى مع الوالد غفر الله له وكنّا اطفالاً كانت البلدة لم يدخلها الكهرب ولا يوجد بها ثلاجات ولا إنارة ولا تلفزيون ولا ولا.. ومع ذلك كنّا نستمتع مع أقراننا فيها باللعب واللهو بألعاب شعبية كانت تضفي جواً من المتعة على حياتنا هناك، وكان الفارق كبيراً بين ما نجده في الرياض وما نراه في قريتنا الجميلة من الفوارق المدنية الكثيرة - كنّا أول ما نصل إلى عشيرة نزورها في بيتها ونستمتع بالجلوس عندها وبأحاديثها الطيبة وكانت رغم مشاغلها الكثيرة تعطينا من وقتها وترعانا وتهتم بنا، بعدها انتقلت إلى الرياض مع أبنائها بعد وفاة زوجها عبدالله بن محمد الصالح وعاشت هناك حتى توفاها الله يوم الخميس 12 / 3 / 1442هـ الموافق 29 / 10 / 2020م، ولي مع العمة حصة ذكريات جميلة ومبهجة فكم رافقتني مع أسرتي في الكثير من الرحلات وخصوصاً لمكة المكرمة والمدينة المنورة وقد كانت محبة وشغوفة بزيارة بيت الله ومسجد رسوله ولا تتأخر إذا سمحت لها الظروف بزيارة هذين المكانين الطاهرين وكم أسعدتنا بموافقتها رفقتنا وكم كنا نفرح بها رحمها الله وأدخلها فسيح جناته، هذه المرأة مرت بظروف صحية لا يعلم بها إلا الله وقد بقيت على فراشها اكثر من 10 سنوات لا تستطيع القيام من فراشها وكانت دائماً تلهج بالدعاء والشكر لله تعالى على نعمه وعلى فضله كانت تحب أهل الخير والصلاح وكانت تصل رحمها ولا تترك أحداً ممن له حق عليها، صاحبة واجب لا تتأخر في جميع المناسبات عن أداء الواجب، يشهد لها من عرفها ببساطتها ولطفها، وطيب مجلسها فجميع من يعرفها يحبها ويحب مجالستها تحب الناس جميعاً لا تذكر أحداً بسوء وهذا ما جعلها محبوبة للجميع... ماتت ولكنها حيّة فينا ما حيينا فروحها ترافقنا أينما ذهبنادائماً نتذكرها لم تغادر مخيلتنا، كل شيء حولنا يذكرنا بها كلماتها، نصائحها، سوالفها وكل مكان نذهب له نتذكرها، وصوتها الذي ما زال يرن في آذاننا فلقد كانت محبة طيبة حنونة لا يشبهها أحد وتعجز الكلمات أن توفيها حقها فقدها صعب ولكن هي سنة الحياة.
رحم الله أم محمد التي كانت لي من أقرب الناس، وكل ما ذكرته فيها قليل فقد نشأت في بيت دين وصلاح تربت على يدي أمها نورة بن حمد الفيصل بعد وفاة والدها عبدالله بن نوفل بن عثمان الربيعة الذي عرف بالخير والصلاح، ولها من الإخوة أربعة أكبرهم محمد بن علي آل عبداللطيف فهو أخوها من أمها ويليه اخوتها نوفل وحمد وعثمان أبناء عبدالله بن نوفل الربيعة. ولها من الأولاد أربعة ومن البنات واحدة هم محمد وناصر وعبدالرحمن وعبدالعزيز ومنيرة أبناء عبدالله بن محمد الصالح.. ولعلي أقتبس هذين البيتين لمناسبتهما لهذه المرأة الصالحة:
سلام يا بنت الرجال الحشيمين
بنت أصيله من رجال اصايل
الطيب والموقف والمذهب الزين
تجمعت في نادرات الفصايل
كل المواقف حاضره ما تغيبين
واللي مثلكم في زمنا قلايل
لقد رأيت الناس في المقبرة ألسنتهم تلهج بالدعوات ويسألون الله لها الرحمات فالكل يعرف ما ألمّ بها من مرض وصبرها، اللهم اغفر لها وتجاوز عنها، كانت صافية القلب طاهرة النية، عفيفة، عذبة اللسان، كريمة السجايا، لم تغضب أحداً ولم تؤذ أحداً، اللهم فاجعل كل ذلك شفيعًا لها بين يديك آمين.
ختاماً.. عظم الله أجرنا وأجر أبنائها والمنيعات وأهل عشيرة جميعاً ولا نقول إلا ما يرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- د. عبدالله بن نوفل الربيعة