يوسف ياسين من الشخصيات السياسية الفذة التي كانت حول الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وقد أسهم في السياسة الداخلية والخارجية على السواء، كما رافق المؤسس في رحلاته الأولى، ومن المؤسف جدًّا أنه لم ينل حظه من الإشادة والذكر والدراسة، ولا تزال شخصيته بحاجة إلى باحث طلعة ليفردها بدراسة ثرية، تلم المتفرق من أخباره، والمتشتت من تاريخه، والمتناثر من ترجمته، حيث إنه كان من أقرب الناس إلى الملك عبدالعزيز وأشدهم صلة به، حتى قال عنه خالد القرقني - وهو من رجالات الملك عبدالعزيز البارزين أيضًا -: «لو كان يوسف ياسين في الصين وسألته ماذا يصنع الملك الآن؟ لنظر إلى الساعة، وحوّلها إلى توقيت الرياض، وأجابك: إنه يفعل كذا، أو يفكر في كذا؛ فهو دائم الاتصال به بكل الوسائل المتاحة آنذاك».
اشتُهر بهذا الاسم الثنائي «يوسف ياسين»، وهو اسمه الأول وشهرته. أما اسمه فهو يوسف بن محمد بن يوسف بن ياسين بن مصطفى بن علي. وُلد في مدينة اللاذقية بسوريا في عام 1314هـ الموافق 1899م. تربى في كنف والده في اللاذقية تربية دينية، حفظ فيها القرآن، وتعلم التجويد. وفي أثناء تعلمه تنقّل بين ثلاث مدارس، بين القاهرة والقدس ودمشق، وخرج من تلك المدارس دون أن يحمل شهادة لأسباب خارجة عن إرادته؛ إذ توقفت الدراسة في اثنتين منها بسبب الحرب العالمية الأولى، أما الثالثة فقد كانت بسبب سفره إلى الرياض.
وفي مصر توقدت روحه بالحماسة القومية، والسعي إلى تحرير العرب من الحكم التركي المهيمن على المنطقة في ذلك الوقت.
هذا، ويمكن تقسيم نشاطه في خدمة القضية العربية وما تخللها من وظائف صحفية وتعليمية وسياسية إلى ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: من عودته من مصر إلى دخول الإنجليز إلى القدس خلال الفترة الزمنية التالية (1914-1917) حيث طغى فيها حماس الشباب ضد الحكم العثماني.
- المرحلة الثانية: من بعد دخول الإنجليز القدس إلى معركة ميسلون خلال الفترة الزمنية التالية (1917-1920م) حيث انضم فيها متطوعًا إلى إحدى فرق الجيش العربي المتجهة إلى دمشق، وعرف بنشاطه في اللاذقية؛ فضاق به الفرنسيون؛ وأبعدوه عن اللاذقية مرات عدة.
- المرحلة الثالثة: تبدأ من بعد معركة ميسلون إلى وقت التحاقه بالملك عبدالعزيز (1920-1924م)، وهي المرحلة التي تحطمت فيها أحلام الثورة العربية، وتكشفت خلالها النوايا الاستعمارية.
خرج من سوريا بعد هزيمة الفرنسيين للجيش العربي في ميسلون، ثم انتقل إلى الحجاز قبيل موسم الحج عام 1338هـ فحج، ونزل في ضيافة الحسين بن علي ملك الحجاز، ثم كان في ركاب عبدالله بن الحسين عند دخوله إلى عمان 1339هـ/ 1921م. وعند تشكل أول حكومة في شرق الأردن برئاسة رشيد طليع أصبح يوسف ياسين سكرتيره لرئاسة الحكومة. وحينما لاحظ نفوذ الانجليز وتدخلهم في عمل الحكومة غادر إلى القدس (1921م)، واشترك مع كامل البديري في إصدار جريدة اسمها (الصباح)، وجعلها منبرًا يطالب من خلالها بحقوق العرب، ثم تعرض للسجن من قِبل الإنجليز، فظل في القدس أربع سنوات، وقد أنس برؤية أهله في اللاذقية بعد طول غياب متنقلاً بعد ذلك إلى دمشق.
اتصاله بالملك عبدالعزيز
هذه هي الفترة الذهبية في حياة يوسف ياسين حيث أخذت فكرة الاتصال بالملك عبدالعزيز تأخذ مسارها الفعلي، وكان سعيه للوصول إلى بلاط المؤسس نتيجة الالتقاء الفكري، حيث كان الملك - رحمه الله - مناصرًا بقوة لقضية فلسطين فالتحقق به يوسف ياسين عام 1924م، وبعد التحاقه بالملك عبدالعزيز تدرج في مناصب سياسية خارجية، ووظائف تميزت بالتنوع، تدرج فيها على النحو الآتي:
- مدير صحيفة أم القرى 1343-1347هـ.
- مدير المطبوعات والمخابرات 1345هـ - 1347هـ.
- سكرتير خاص للملك عبدالعزيز 1347هـ.
- رئيس الشعبة السياسية 1349هـ.
- وزير دولة 1364هـ.
- عضو مجلس الوكلاء 1350- 1373هـ.
- مندوب المملكة العربية السعودية في جامعة الدول العربية 1363-1370هـ.
هذا، إضافة إلى المناصب التي تولاها يوسف ياسين. وبحكم طبيعة عمله في الخارجية، وملازمته للملك عبدالعزيز، وعضويته في مجلس المستشارين العرب، كانت له جهود واضحة على صعيد عدد من القضايا السياسية التي عنت للملك عبدالعزيز آل سعود في بدء نشأة دولته، كما حضر لقاء الملك عبدالعزيز مع الرئيس الأمريكي روزفلت، وهو من أهم اللقاءات الحوارية للملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- مع ساسة العالم. كما قام بدور دبلوماسي في المفاوضات البريطانية من خلال علاقة المملكة بالدول المجاورة. ومن الطبيعي أن شخصية كشخصية يوسف ياسين سيكون لها دور فعال في دنيا الثقافة، وعالم الحرف، فقد كان له حضور على المنبر لتأثير صوته وقدرته الفائقة على فن الإلقاء والخطابة، وكان له أيضًا حضور على الورق، أي بمعنى حضور كتابي؛ فجمع بين أطراف المعادلة (اللسان والقلم).
ومن أبرز كتاباته الصحفية ما كتبه ونُشر في صحيفة «أم القرى» وجريدة «الصباح» و»القبلة» و»ألف باء» و»المفيد والقبس»، ولو قدر رصد وجمع نتاجه الصحفي لكانت النتيجة عبارة عن كتاب ثري، سيكون خير معين للدارسين والباحثين وطلاب العلم الناظرين في سيرته على تحليل شخصيته ودراسة تاريخه وفكره.
وليوسف ياسين آثار مطبوعة، ظهرت بعد وفاته، منها مقالات في كتاب اسمه (الرحلة الملكية)، وأصلها الرحلة السلطانية، وله (يوميات الدبدبة)، ونقده لكتاب (خواطر مصرحة). كما كان من المشاركين في إعداد كتاب (السجل الذهبي). وقد أخذ على الشيخ يوسف ياسين أنه لم يكتب كتابًا أو يؤلف مؤلَّفًا في تاريخ الدولة السعودية؛ وعزوا ذلك لمشاغله وكثرة مسؤولياته. وقد خلف وثائق ومراسلات وأوراقًا لدارسي فن التاريخ السعودي الحديث، كما أشرف على طباعة كتب رسمية، ومؤلفات دينية، وله مذكرات مسجلة. ويعتبر العلامة خير الدين الزركلي في كتاب الأعلام أول من أشار إليها حيث قال: «وقد سجلها على أفلام بصوته، وهي تحكي سيرته الذاتية منذ ولادته إلى لحظة التحاقه بالملك عبدالعزيز. وقد صرفته صوارف الزمان عن إتمامها؛ لأنه كان قد عقد النية على إكمالها».
ومن سمع السيرة بصوته يصفها بالمتعة والأسلوب القصصي، وقد ظل في عمل دؤوب، وسعي على قدم وساق، حتى وافته المنية في المنطقة الشرقية حينما كان برفقة الملك سعود -رحمه الله- وذلك من جراء نوبة قلبية في عام 1381هـ - 1962م، وكان دفنه في مدينة الرياض.
هذا، وقد سجلت عن سيرته أكثر من رسالة جامعية، وصدر عنه كتاب حبر باللغة الانجليزية من تأليف رجل يدعى أ. جوزيف کشيشيان، كما أصدرت الباحثة أ. نورة مشعل العسرج كتابًا عن الشيخ يوسف ياسين، عنونت له بالوسم الآتي: (يوسف ياسين ودوره مع الملك عبدالعزيز)، وهو يركز على فترة زمنية مديدة، تقارب الثلاثين عامًا منذ انضمام الشيخ يوسف إلى بلاط الملك عبدالعزيز عام 1343هـ حتى وفاة المؤسس -طيب الله ثراه- عام 1373هـ، وجاء فيه: «شهدت شبه الجزيرة العربية منذ مطلع القرن العشرين ظهور کيانات سياسية، لها ثقلها السياسي والعسكري، من أهمها عودة ظهور قوة آل سعود مرة أخرى بزعامة الملك عبدالعزيز.
كان الملك في أول عهده يدير النظام السياسي الذي أقامه في نجد، ويعالج شؤون البلاد مباشرة مستعينًا في ذلك بمجموعة من رجاله المخلصين من مختلف المناطق والقبائل حسب خبراتهم. وبعد استقرار الحكم للملك عبدالعزيز شرع في تأسيس الدولة المدنية الحديثة التي ستكون ضمن منظومة الدول العالمية، وكان يعي أن تحقيق ذلك يتطلب الشروع في بناء مؤسساتها وأجهزتها الحكومية فاقتصت الحاجة أن يستعين بعدد من الرجال المميزين من ذوي الخبرة من الأقطار العربية. ومن هؤلاء الرجال والشخصيات المهمة التي أحاطت بالملك عبدالعزيز يوسف ياسين».
** **
حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - (بنت الأعشى)
عنوان التواصل: ص. ب. 54703 - الرياض 11524
hanan.alsaif@hotmail.com