محمد سليمان العنقري
القيمة الإجمالية للبورصات العالمية تخطت حاجز المائة تريليون دولار منذ العام الماضي، فبعد أن أضافت 17 تريليون دولار بالعام 2019 م تسارعت وتيرة الارتفاعات بالعام الماضي، رغم أنه كان عام أزمة اقتصادية غير مسبوقة وبحسب بنك أوف أميركا فإن الأسواق العالمية أضافت 50 تريليون دولار أمريكي بسبب السياسات النقدية التوسعية من خلال خفض أسعار الفائدة والضخ الهائل للنقد عبر برنامج التيسير الكمي للفيدرالي الأمريكي ولأغلب البنوك المركزية بالعالم خصوصاً دول مجموعة العشرين التي بلغت حزم تحفيزها لتطويق الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا حوالي 11 تريليون دولار وقابلة للزيادة مع أخذ كافة التدابير لاستعادة النمو الاقتصادي.
لكن هذا التسارع بالارتفاع غير المسبوق بقيمة الأسواق العالمية فتح الباب واسعاً على السؤال إلى أين ستتجه الأسواق خصوصاً الكبرى التي يجمع كثير من بيوت الخبرة العالمية والخبراء المستقلين أنها في مرحلة فقاعة تاريخية فمؤشر وارن بافيت وصل لمستوى قياسي غير مسبوق، إذ بلغت قيمة الأسواق الأمريكية ضعف الناتج المحلي وهو ما أعطى إشارات تحذيرية من احتمالية حدوث تصحيح بالأسواق الأمريكية القائد للأسواق العالمية، ولذلك بات السؤال إلى أين ستتجه الأسواق هل جميعها ستأخذ نفس المسلك في حال دخلت الأسواق الأمريكية في تصحيح أم أن للصناديق وكبار المستثمرين وجهة نظر أخرى، في الحقيقة لم تجر العادة أن يحدث تصحيح في أي سوق مالي بأي دولة في بداية دورة نمو اقتصادي جديدة فيها، فالاقتصاد العالمي دخل بركود العام الماضي وبدأ بالتعافي تدريجياً خصوصاً الربع الأخير من عام 2020 ، ويتوقع أن يسجل الاقتصاد العالمي نمواً جيداً في العام الحالي لكن هذا لا يمنع النظر لفقاعة السوق الأمريكي التي يراها الكثير من المتعاملين من الخبراء ومدراء الاستثمار أنها ستنفجر بتصحيح لاستعادة الزخم بالأسواق الأمريكية وبعض الأسواق الأوروبية في المستقبل المنظور لإعادة توزيع المراكز من جديد. ومع هذه النظرة لتوجهات الأسواق المتضخمة المحتمل دخولها بتصحيح فإن حجم السيولة الرخيصة بالأسواق هائل وهو ما يعني توجيهها لأسواق أخرى فنرى مثلاً التسارع الكبير بتعاملات العملات الرقمية، فالبيتكوين أشهرها تخطت قيمتها تريليون دولار دون فهم واضح للأسباب الدافعة لذلك عدا كونها مضاربات لكن بات أيضاً بشكل ملموس توجه هذه الأموال لأسواق السلع وعلى رأسها النفط الذي مسح كل خسائره سعرياً التي تكبدها بالعام الماضي ووصل لمستوى 65 دولاراً الذي يعد مقاومة فنية لكن الزخم الموجود بأسواق السلع ما زال جيداً، وإذا ما استمر التركيز على الأخبار الإيجابية الحالية والمتوقعة بالمستقبل القريب لتحجيم انتشار فيروس كورونا عبر زيادة وتيرة سرعة إعطاء اللقاحات عالمياً فإن الارتفاعات ستكون هي الأقرب لوجهة أسعار السلع عموماً لتوقع سرعة تعافي الطلب بالإضافة لتوجيه جزء من هذه السيولة الهائلة للأسواق الناشئة. ستة مليارات دولار كانت تضيفها الأسواق المالية العالمية لقيمتها كل ساعة العام الماضي فمن الواضح أن الأسواق المالية عموماً ستحافظ على زخمها وتوجهاتها الصاعدة ما دامت السيولة الضخموالرخيصة بالأسواق، والمتوقع ألا يحدث أي تغيير في هذا النهج حتى العام 2023 ومع قبول البنك الاحتياطي الفيدرالي بمعدلات تضخم أكثر من 2 بالمائة التي يستهدفها بالعادة وكذلك خطط التحفيز ببقية الاقتصادات الكبرى فإن كفة الإيجابيات تبقى هي الطاغية ولن يغير هذا التوجه للأسواق سوى أحداث غير متوقعة مثل تحور يزيد من تفشي الوباء مما يستدعي إقفالاً جديداً للاقتصادات تعيدنا للمربع الأول من هذه الأزمة أو تعطل بتوزيع اللقاحات أو أحداث مفاجئة غير متوقعة ذات أثر عميق على الاقتصاد العالمي.