د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن الصعود للأعلى حتماً يكون نابعاً من داخل الذات الإنسانية؛ فإذا ما رغبنا في رسم خريطة المستقبل، خاصة في الارتباطات التي تكمن تشريعاتها في الأعلى، ثم يحملها الناقلون لذلك التشريع إلى حياض المنفذين لها، ومن ثمّ المستفيدين منها؛ فلا بد حينذاك من عبور اشتباك ودود مع الخطة والأهداف. وعندما يتم العبور المنظم فإن المتخيّل المتوقع أن الأغصان تزهر في منعرجات الطريق وثناياه؛ وتمتلئ الأحاسيس بالإثارات التي تبشر بالقادم؛ وتحمل أنباء الامتلاءات العائدة بكل تفاصيلها بوفر وثمر وسمر في مسارات عديدة قد تتفرع، ولكنها تنتهي جميعاً إلى مستخلصات منتجة. وللاستدامة ينبغي أن تكون المستويات الممكنة للولوج إلى مسطحات النماء ومفاوزه تمثّل تكافؤاً ممكناً, وأصداء متناغمة بين الراوي والمروي عنه، وبين الباحثين ومضامين أُطروحاتهم, وبين صانعي المنتجات وبيئات المستهلكين, والأهم بين صانعي الفكر ومتطلبات الفئات المحيطة, والتكافؤ بين مفاصل الإنتاج ذي النمط والدائرة الواحدة، وكون المنتج غير قابل للانفصال تنفيذياً. وأخيراً التكافؤ بين القدرة على صنع القرارات, والشجاعة على إصدارها، والقوة في تنفيذها.
وحتماً ويقيناً تكون الأهداف صحيحة عندما لا تكون مضماراً للتمارين والتأويلات؛ حتى لا تصبح أقل تركيزاً واستهدافاً! وتتحول إلى صياغة مفاهيم فقط تعيش خارج نطاقات التنفيذ. ويعتبر بناء الأهداف، وتحديد المسارات من حذق الصنعة وفهم الصناعة، ودفع للعثرات وعتق من الإرباك.
ودائماً ما يطالعنا علم الإدارة الحديث بالقطبين الحاملين للأهداف، هما الرؤية والرسالة؛ ولزاماً أن يتحرك كل منهما لملاقاة الآخر من خلال محمولات تفيض واقعية وطموحاً وتمكيناً وصولاً إلى مسارات التنفيذ. ولا بدّ من وجود أصل يُقاس عليه, وفرع يُقاس, وقواسم مشتركة, أو علة جامعة, ثم حكم للاحتكام إليه.
ولقد حفظت لنا العقيدة الإسلامية نماذج تحتذى في تحديد ورسم المسارات والأهداف؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} (سورة الأعراف آية 11).
وقوله صلوات الله وسلامه عليه لعبد الرحمن بن عوف عندما أرسله في غزوة «اغزوا جميعاً في سبيل الله؛ فقاتلوا من كفر بالله, ولا تغلوا, ولا تغدروا, ولا تمثلوا, ولا تقتلوا وليداً, فهذا عهد الله, وسيرة نبيه فيكم» رواه أحمد في مسنده.
نعم، إن الأهداف الملأى بما ينفع الناس ويمكث في الأرض تبدأ من سقي أخضر, ومثالية إنسان، وقوة في الحجة, فيغدو المستهدف عبقرياً تتجاوب عنده أصداء النجاح, وتتآلف القلوب.. قال تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} (سورة البقرة آية 60)؛ فالمقاصد الصحيحة, والأهداف الحرة هي التي يشعر الإنسان كلما أراد أن ينصبّ نفسه عليها بأنها أحق منه بالتنصيب؛ فنحن أمام عمليات تأسيس أصول محددة لقضايا شاملة يشدّ بعضها بعضاً, ولا بد من اتصال وتواصل متين بين أهل الاختصاص وروّاد المهنة مما يسهم بتجسير الهوة بين الأنظمة والتخطيط الاستراتيجي؛ لأن غياب المشاركة العامة خبن لا يمكن رتقه؛ وفي فضاءات الأهداف الصحيحة يتعسكر الوعي وينضبط الواقع للقوانين, وتُستزرع المشاريع الإيجابية, ولا تمتهن الجهود الإنسانية الوافرة، ويُضاف البُعد الإنساني كمستند مهم للقبول والرضا في أوساط المستفيدين، وتقديم الخدمات في بيئات تحترم الإنتاج وتوقر المنتجين، فتحويل التحديات إلى فرص كبرى يلزمه مرجعيات نظامية ومؤسسية متينة، وكل ذلك لا بد أن لا يجافي المعرفة العميقة والتجربة الفاصلة حيث نؤمن حتماً بأن المشروعات الناجحة هي وليدة أفكار جريئة، تتجاوز مفهوم النمطية.
وكل استراتيجية قويمة إنجاز حقيقي لأهداف التنمية المستدامة، وما دونها لهاث لملاحقة المفهوم! كما أن التعاطي بإيجابية مع استراتيجية النهوض يلزمه فكر وكر وفر. وبالله التوفيق!