خالد بن حمد المالك
ما من أحد إلا وهلَّل ورحَّب بعودة المصالحة بين قطر والدول المقاطعة، وهي المملكة والإمارات والبحرين ومصر، وكان استقبال الأمير محمد بن سلمان للشيخ تميم آل ثاني في المطار لحظة تاريخية لا تُنسى، حيث لغة الترحيب التي كانت مفصلية ومضيئة في فتح البوابة الجديدة للعلاقات الأخوية بين دول المجلس وقطر بعد طول انتظار.
* *
كانت قمة العُلا، وما سبق انعقادها من مسارعة المملكة في فتح الأجواء والمنافذ البرية بينها وبين قطر إيذاناً بالتأكيد على حسن النوايا والثقة على أن منطقتنا التي تواجه دولها تهديدًا من العدو المشترك ستكون على موعد تاريخي مع توجه جديد يتَّسم بكل أشكال التعاون والمواقف التضامنية المشتركة سياسياً وأمنياً وإعلامياً، وفي جميع ما يلبي مصالح دولنا وشعوبنا في كل المجالات.
* *
وفي كلمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال رئاسته وافتتاحه للقمة الخليجية ما يُغني عن أي إضافات للتأكيد على أن دول المجلس مجتمعة بما فيها دولة قطر مقدمة على خلق أجواء سوف تسرِّع بإنهاء أي خلافات كانت قائمة، بإيمان راسخ وقناعة تامة بأن لا مصلحة لدولنا في استمرار مثل هذا الخلاف، وأن أي تباين في المواقف كما كان يحدث من قبل، إنما هي هدية للعدو المشترك.
* *
ومنذ الإعلان عن التوافق وفق ما عبَّر عنه إعلان العُلا، حذَّرت شخصياً من هذا المكان، وفي أكثر من مقال، وفي لقاءات متلفزة، بأن هذه المصالحة سوف تنحى نحو ما عبَّر عنه قادة المجلس من حرص على إتمام مسيرة عودة العلاقات الأخوية إلى ما كانت عليه قبل القطيعة التي امتدت لما يقارب السنوات الأربع، وأكدت مرارًا على أن تغليب المصلحة العليا المشتركة لدولنا هو ما قاد قادتها إلى هذا التواصل، وإلى ما تم في اجتماع العُلا في ظلال من الأخوة والمحبة المشتركة.
* *
ومع فرحنا، وغبطتنا، وشعورنا بالرضا على ما أسفر عنه اجتماع القمة الخليجية من فتح صفحة جديدة من العلاقات بين دولنا وعودتها إلى طبيعتها، فقد كانت من ضمن تمنياتنا أن يساير الإعلام الخليجي تحديداً ذلك النهج الجميل الذي عبَّر عنه والتف حوله قادتنا، وأعني به التوجه المحفِّز نحو المصالحة الحقيقية، ومعالجة ما كان سبباً في (وقفة النفس) بين قطر والدول الأربع، غير أن بعض وسائل الإعلام الخليجية -دون حاجة إلى تسميتها- ما زالت تواصل سياستها في عدم التعامل الإيجابي مع ما تم التوصل إليه بين الدول الخليجية.
* *
ومن يتابع بعض القنوات الخليجية لن يحتاج إلى كثير من التدقيق، أو كثير من الوقت، لاكتشاف ما نشير إليه فهي في نهجها وبرامجها وأخبارها، أصبحت تتعامل إما بسياسة (إياك أعني واسمعي يا جارة!!)؛ بمعنى أنها لا تصرِّح ولا تقدِّم نفسها بشكل مكشوف في التعامل السلبي مع القضايا ذات الحساسية، وأحيانًا يغلب على بعض برامجها عدم القدرة على إخفاء أهدافها ونواياها التي لا تصب في مصلحة أي دولة خليجية بما فيها دولة قطر.
* *
وفي ظل هذا الانطباع، وما تمثِّله المصالحة من قيمة كبيرة وعظيمة سوف يستفيد منها كل مواطن خليجي، وفق ما اتفق عليه قادتنا وعبَّروا عنه بأجمل الكلمات التي تتناغم مع حرصهم على مصالح دولهم وشعوبهم، وهو ما يجب أن تفهمه وتتفهمه بعض وسائل إعلامنا التي لم تلتزم بعضها بعد بما يكرِّس هذه المصالحة ويسرِّع في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
* *
ومن باب التمنيات ليس إلاّ، نرجو ألا يكون بعض الإعلام الخليجي، معيقاً وخنجراً قاتلاً لمصالحنا، وأن تكون أجندته منسجمة ومتناغمة ومتزامنة مع ما صدر في قمة العُلا وبيان العُلا، - مثلما تفعل مشكورة قناة العربية - فإيران وتركيا هما المستفيدتان من أي خلاف بين دول مجلس التعاون، وهما المتضررتان من المصالحة التاريخية التي تمت، وعلى إعلامنا أن يكون في مستوى المسؤولية لمواجهة التحديات التي تواجهها دول الخليج العربية، وأن تكف القنوات الفضائية عن صب الزيت على نار ما كان خلافاً وانتهى.