د. تنيضب الفايدي
بدر... وما أدراك ما البدر؟ إنها بدر الموعد، بدر الفرقان، بدر النصر والفلاح، وبدر المحبة والصفاء، تحمل بعدًا تاريخيًا عميقـًا من خلال تلك الأحداث الجليلة التي لا تُنسى، شهرتها تغني عن تعريفها، يقع في نهاية وادي الصفراء ما بين المدينة المنورة وساحل البحر الأحمر، وهو إلى الساحل أقرب، اكتسبت أهمية بالغة بوقوع غزوة الفرقان التي كانت نصرًا محققًا من الله، حيث استجاب الله دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» فعبادة الله سبحانه وتعالى الآن وإلى يوم القيامة مرهونة ومَدِينة بهذه الغزوة المباركة بنص الحديث، إنها فتح من الله وفرقان واضح، إنها غزوة لا ينطفئ وهجها ولا يخفت نورها مهما دارت الأيام، الغزوة التي فصلت بين الحق والباطل، الغزوة التي نالت شرف الزمان حيث وقعت في يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان، كما نال المكان (بدر) شرف وقوعها على أرضه، فكلما ترى مدينة بدر تتذكر هذه الغزوة الفاصلة بين التوحيد والشرك، وبين الظلم والإنصاف، بين الكفر والإسلام، بين القوى الطاغية والفئة الضعيفة، ترى العدوة الدنيا والعدوة القصوى فتتذكر قوله تعالى: {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى}، ترى موقع العريش فتتذكر مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغاثته من الله سبحانه وتعالى (اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً) وتسلية أبي بكر رضي الله عنه لنبيه صلى الله عليه وسلم (حسبك يا رسول الله) ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم له: (أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع)، ترى ميدان المعركة، فتتذكر بطولات وتضحيات هؤلاء الصحابة كيف فعلوا في المشركين الأفاعيل وأثبتوا بأن النصر ليس في العدد والعدّة فقط، بل بالإيمان بالله والتوكل على الله والفوز بالجنة، كما تتذكر عز الإسلام بهذا النصر وذُل الكفر بهذه الغزوة فلن ينساها التاريخ الإسلامي مدى الزمان، وتتذكر قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} سورة القصص، كما تتذكر أن الملائكة قاتلوا في تراب هذه الأرض جنباً إلى جنب مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وعندما ترى القليب تتذكر صناديد قريش وؤساءهم وتفننهم في إيذاء المؤمنين المستضعفين أيام مكة ومن ثم قتل أولئك الطغاة في يوم بدر بيد هؤلاء المستضعفين ورميهم في هذا القليب ثم وقوف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً: «يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا فلان، ويا فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً».
هذا بدر وتاريخها، إنه تاريخٌ مشرق وغزوتها مليئةٌ بالفوائد والعبر، تعطيك قوة وقت الضعف، وأملاً وقت اليأس، تقوّي إيمانك مع رب العالمين، وتزيد ثقتك مع الله سبحانه وتعالى، وتجدد حبّك مع دينك ونبيك وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، فعلى كل مسلم ومسلمة أن يعرف تاريخ غزوة الفرقان ونتائجها وآثارها حيث جاء المشركون لتأديب المسلمين عن جرأتهم للتعرض على قافلتهم التجارية، والمسلمون لم يكونوا على الاستعداد للدخول في معركة حربية عسكرية إلا أن الله سبحانه وتعالى أراد هذه الغزوة فدخلوا في المعركة مع قلة عددهم وعدّتهم، ولكن بالإيمان والإسلام والتوحيد هزموا المشركين أشد الهزيمة، وعلّموا التاريخ بأن مقياس الفوز والهزيمة لا ينحصر على العدد والعدّة فقط، بل على قوة الإيمان بالله ورسوله وعلى دينه و{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ} سورة البقرة. وهكذا أصبحت غزوة الفرقان بداية للأمل المشرق، وإضاءة لما يستقبل من أيام، وقاعدة لبناء العدالة لبني البشر واستشراقاً لمستقبل واعد للإسلام، كما أصبحت منطلقاً للتربية والتعليم، وإضاءة أمل لا يخبو شعاعها على مرّ الأيام وتكرار الأعوام، ترتاح لاسترجاعها القلوب، ويفيء إليها الوجدان، وتفيض بذكراها المشاعر.
وقد حدد الله سبحانه وتعالى في سابق علمه المواقع التي لها علاقة بغزوة الفرقان قال تعالى:
{إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ} سورة الأنفال.