3 - الصوفية
الصوفية من الفرق الإسلامية في المجتمع اليمني منذ وقت مبكر، وهي فرقة روحانية، ولا تنشغل بأمور السياسة عادة، إلا نادراً، يعيشون زاهدين، متقشفين، متلذذين بهذه الحياة التي يختارونها لأنفسهم، معتبرين ذلك كسراً لشهوات النفس وأطماع الحياة الدنيا. ويغلب على تعاملهم الرد بالتي هي أحسن مهما كانت حجم الإساءة إليهم.
ومع هذا فلم تسلم هذه الجماعة من شرور الكيان الإمامي البغيض؛ فقَدْ قَام الإمَام شرف الدين بقتل بعض فقهاء الصوفية وذلك بسبب معتقداتهم وأفكارهم، كما حصل مع الفقيه حسن بن علي الجدر الذي قتله الإمام شرف الدين، وعاملهم أيضاً معاملة المرتدين عن دينهم. والواقع أن ذلك في حقيقته ما هو إلا خوف من أن يستفرد عليه بشرف الزعامة الدينية، لأن كثيراً من فقهاء الصوفية قد مال النَّاس إليهم والتفوا حولهم، فكلما مال النَّاس إليهم تغوَّل عليهم ظلم الأئمة أكثر.
وإلى جانب هَؤلاء فقد كفَّر الإمَامُ القاسمُ بن محمد الصوفيَّةَ واستحلَّ دماءهم، كما ورد في واحدة من رسائله، يقول عنهم، محرضاً النَّاس عليهم : «.. فالواجبُ على المُسلِميْن استباحة دمائهم وأموالهم؛ لأنهم كُفار مُشركون؛ بل شركهم أعْظم وأكثر؛ لأن المشركين الذين كان ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يجاهدهم يقرون بالله ويجعلون له شُركاء وهِي الأصْنام، وهؤلاء لم يجعلوا إلههم إلا الحِسَان من النِّسَاء والمُردان.. (1)
وحين غزا المتوكل على الله إسماعيل بلاد حضرموت نكَّل بمدارس الصوفية ومنع حِلقَ الذكر التي ألِفها الناس فيها، وشرّد رجالها.
وفي عهد يحيى حميد الدين عمد بواسطة نجله السيف أحمد إلى هدم قباب وأضْرحَة أئمة ومشائخ الصُّوفية ورجال الدين في اليَمَنِ الأسْفَلِ كامِلاً، وذلك بحجَّة محاربة البدع والخرافات والشَّعوذات، في الوقت الذي تمتلئ صَنعاء وما حولها بالعديد من الأضْرحة والمراقد الخاصَّة بالأئمة وغيرهم من لدن الإمَامِ الهَادي حتى والده، والناسُ هناك يزورونها ويتبركون بها إلى اليوم، مع العلم أن الإمَام عبد الله بن حمزة كان قد كتب رسَالَة إلى أهل قرية «لصف» في «نهم» شرق صَنعاء، يهددهم فيها بنقل رفات أخيه المدفون هُناك إن لم يجعلوا له ضريحاً مزوراً. وقَدْ كان قبره قبل ذلك اليَوم مهجوراً، كما أمر الإمَامُ المنصور محمد بن يحيى حميد الدين أهل أرحب ببناء قبة وتابوت على قبر الإمَام أحمد بن هَاشِم الويسي، مهدداً إياهم بنقل رُفاته إلى مَكان آخر إن لم يفعلوا.!!
أيضاً.. أقدم السَّيف أحمد حميد الدين نهاية العشرينيَّات من القَرْن الماضي، على هدم ضريح الصالح أحمد بن موسى بن عُجيل، في مَدينة بيت الفقيه بتهامة الذي تنتسب له المدينة، وذلك عقب هزيمة الزرانيق في الحرب الشهيرة بينهم وبين أبيه، وقَدْ كان هو قائد جيش والده.
كما قَام أيضاً عام 1943م بهدم ضَريح أحمد بن علوان في يفرس بتعز، وتسويته بالأرض، ونقل رفاته إلى مكان مجهول، تحت حُجة محاربة البِدعة، وفي ذلك قال الشاعر إبراهيم الحضراني :
من بين آلاف القبور نبشتَه
بغياً بدون مُسوغٍ شرعي
نبشُ القبور رذيلةٌ وفضيحةٌ
حتى لدى البوذي والزنجي
ما ذاك إلا أنه من مَعشرٍ
سُنيَّة في معشرٍ سُـني
4 - اليهود
الطائفة اليهودية مكونٌ كبيرٌ من المكونات الاجتماعية والدينية في اليمن من قبل أن تعرف الهادوية الإمامية أرض اليمن، ومن قبل الإسلام كذلك. عاشوا مع إخوانهم المسلمين بروح الإخاء والمحبة والتسامح قروناً من الزمن حتى جاءت الهادوية الإرهابية ودخلت معهم في حروب، كما دخلت في حروب مع بقية الجماعات والفرق الأخرى. ومما يُحمد لليهود قديماً وحديثاً تمسكهم بهويتهم اليمنية، واعتزازهم باليمن وبحضارته وتاريخه كأي يمني، بصرف النظر عن عقيدته، فيما الهادوية الإمامية تزردي اليمنَ حضارة وتاريخاً ومجداً سامقاً، ضارباً بجذوره في أعماق التاريخ.
وقد ظلت الإمامة على الدوام - وخاصة الإمامة القاسمية - ترفع عقيرتها ضد ما تسميه مفاسد اليهود، وبين الفينة والأخرى تشردهم وتنكل بهم شرد تنكيل، تارة بإجلائهم عن مدينة صنعاء، وتارة بمصادرة أموالهم وجميع أملاكهم للإمام وحاشيته، علماً بأن اليهود قد أسهموا من وقت مبكر إسهاماً إيجابياً وخلاقاً في الفنون الشعبية وفي التجارة والصياغة والصرافة وفي مختلف الجوانب، فكان لهم إسهام مدني وحضاري بديع، باعتبارهم أهل صنعة، وأهل سلم وتمدن، ومع هذا فقد ظلوا هدفاً للإمامة بين الحين والحين ينكلون بهم ويشردونهم ويصادرون أموالهم. ناهيك عن المعاملة القاسية بحقهم في الظروف الطبيعية. ففي العام 1175هـ قام الإمام المهدي عباس باعتقال زعماء اليهود في صنعاء، وعذبهم وسَجَنهم، ومنعهم من لبس العمائم، وألزمهم بدفع نصفِ محصولاتهم، ثم صَادر أموالهم كاملة بعد ذلك، وأبطلَ عقد الذمة المبرم بينهم وبين الأئمة سَابقاً، وحكم عليهم بالعُبودية بعد أن كانوا «ذميين / مستأمنين». وقَدْ وجَّه بطردهم وإخراجِهم وهو في مرض الموت قبل وفاته. وكذلك فعل المهدي عبد الله، فاقتحم الكنيس اليهودي بصنعاء، فمزق كتبها وأحرقها ودمر مقتنياتها، وهدّم المبنى، وبنى مكانه مسجدَ الجلاء المعروف اليَوم هناك، مع أن مبنى الكنيس قد تم إنشاؤه من قبل الإسلام، وقَدْ أجبرَ اليهود بين خِيَاري الإسلام أو الرَّحيل، فاختاروا الرَّحيل، فطردهم إلى موزع قريباً من المخا.!
ورغم أن اليهود بدرجة رئيسية، ثم البانيان الهنود كانوا يمثلون دعامة اقتصادية كبيرة للبلاد، وإضافة نوعية على صعيد المهن والحرف، إلا أن الإمامة الهادوية لم تأبه لذلك، فقد نكَّلت بهم وشردتهم ونفتهم، ومع هذا الفعل تهاوت أسواق اقتصادية وغادر الكثير سوق العمل، مُلتحقين بالعُكفة، وقد كانوا عمالاً أو فنيين لدى اليهود أو البانيان، باعتبار هؤلاء أرباب مهن، وحِرفٍ متميزة أيضاً، في مختلف مدن اليمن. وهو ما لا يهم الإمامة أصلاً، فهي لا تكترث بالوطن ولا المواطنين، بقدر ما تكترث ببقائها هي فقط على أي نحو كان.
5 - المرأة
المرأة اليمنية جزءٌ من المجتمع اليمني، عانت بدورها من إرهاب الإمامة ولا تزال، من اتجاهات عدة، عانت باعتبارها طفلة تأيّمت، وباعتبارها أُمّاً فقدت ابنها، أو زوجة فقدت زوجها، أو أخاها أو قريبها جراء حروب الإمامة التي شكلت سلسلة متصلة منذ مجيء يحيى حسين الرسي إلى اليمن وإلى اليوم، وعانت بسبب الجهل المفروض عليها، محرومة من أبسط حقوقها، ولا تزال المعاناةُ مستمرة.
تعرضت المرأةُ للإرهاب الإمامي الحوثي، حين يأتي جنود الأئمة فيعتدون على الحُرمات، ويقتحمون البيوت ثم يستولون على ما فيها، ليلاً أو نهاراً، سواء بحضور الرجال في البيوت أم أثناء غيابهم، تعرضت للقهر النفسي والمادي معاً، ولا تزال. وفي هذا خاطب الشاعر زيد الموشكي الإمام يحيى بقوله :
تخاصمنا بالدين والدين موجعٌ
لأنك قد أدميت مهجته عدا
وإلا فهل هتكُ النساء وضربها
حلال ولو في دين من يعبد الصّلدا
وقد كان الكف عن إرهاب النساء والأطفال واقتحام منازلهم عنوة من قبل جنود الإمامة أحد مطالب الثوار اليمنيين، كما أشارت المراسلاتُ بين الزبيري ونعمان من عدن إلى الإمام يحيى بصنعاء، وهما على رأس الجمعية اليمانية الكبرى، والرسالة مؤرخة في 29 أغسطس 1946م (2).
وإلى جانبِ الآثار السّلبيَّةِ التي تركتهْا الحروبُ على الجانبِ المادي في الأرواح والممتلكات يبقى أثرُها الكبيرُ على الجانبِ النفسي وما تتركه على سَيكولوجيَّة الإنسان؛ خاصَّة أنَّ هَذِه الحروبَ ذاتُ طابعٍ ُمغَايرٍ لأيةِ حروبٍ أخرى، فليستْ حروبَ جُيوشٍ نظاميَّةٍ تقتصرُ على فرقٍ مدرَّبة ومقاتلة فقط، بل تُعتبر القبيلةُ كلُّها جيشاً محارباً، غازياً أو مغزياً، قاتلاً أو مقتولاً، ناهباً أو منهوباً؛ فكلُّ فردٍ في القَبيلة هو جنديٌ مقاتلٌ بالفطرة، ولديه من قصصِ الموروثِ الحربي التي تفتَّحَ وعيُه عَليْها منذ الصِّغر ما يفوق معارف وخبرة الجنديَّ النظامي التي تعلمها.! وعادةً ما تدورُ رحى هَذِه الحروبِ في الأغلبِ الأعم على مقربةٍ من الديارِ والأهل والسكنى؛ بل داخلها أحياناً، وليست في جبهات خارجية، فيتأثر الجميع بها من الناحية النفسية إلى جانب الآثار المادية الأخرى.
وقد وصل الأمر بجنود الإمامة أن قتلوا النساء أيضاً كما فعل جنود الإمام المهدي محمد بن المهدي أحمد، صاحب المواهب، إذ قتلوا نورة بنت معوضة بن محمد بن عفيف في يافع، والتي قُتلتْ في إحدى المعارك، وهي تدافع عن نفسها. وغيرها من النساء، ذكرهن البردوني في اليمن الجمهوري.
وقد ذكر المؤرخ محمد علي الأكوعُ أن رجالَ القَبَائلِ المسلحين عند دخولهم مدينة يريم قبل عام 1911م قد أتوا أعمالاً وحشيَّة من سَلبِ الأموالِ وهتكِ الأعراضِ لدرجة أن بعضَهم كان يقطعُ أُذن المرأة أو البنتِ ليسلبَ ما عَليْها من الذَّهبِ أو الفضة.. إلخ. كما أنهم قد أتوا أفعالاً مُضْحكة مزرية تعكس الجَهْل، ومنها أكلهم للصَّابون ظانين أنه سُكر، وآخرون وجدوا أُرْزا فحسبوه دوداً ميتاً فرموا به، والبعض يرى صُورته في المرآة الزجاجيَّة فيظن أنَّه عدوٌ فيرمي المرآة وتتطاير شظاياها إليه فتجرحه، ويظن أنه قتل عدوه (3).!!
ويروي القاضي عبد الرحمن الإرياني الرئيسُ الأسْبق للجمهوريَّة العَربيَّة اليَمَنِيَّة 1967 - 1974م وقائعَ لا تقل بشاعةً عن بشاعةِ أفعال الرسي وابن حمزة، حين مرّ جيشُ الإمَام يحيى، المؤلَّف من قبائل همجيَّة حد تعبيره، من مدينة يريم، ففتحت المدينةُ أبوابها لجيشِ الإمَام معتزةً به، فهالهم ما رأوه في بيوتِ المواطنين هُناك من متاعٍ وأموالٍ لا عهدَ لهم بها، فأقدموا على نهبِ كل ما وصلتْ إليه أيديهم، حتى بلغ بهم الأمرُ إلى أن يقطعوا آذان النِّسَاء ليأخذوا الأقراط التي عليها (4)، بل حتى نهب فرش المسجد.! وقَدْ تتالت الأخبار أن بعضاً من أقراطِ الآذنِ، الفضيَّةِ والذهبيَّةِ بِيْعتْ في أسْواقِ صَنعاء على بقايا الآذانِ المقطوعة..!
وذات الفعل الإرهابي كان قد حصل إبان حكم الإمام المهدي صاحب المواهب حين سلط على قبائل ريمة ووصاب قائده العسكري ابن حبيش، فقطعوا آذان النساء، لأجل ما فيها من الأخراص، إضافة إلى القتل والتشريد (5)، شيوخاً ونساءً وأطفالاً.
كما ذكر الإرياني قصة مروعة حين أباح الإمَام أحمد نهب صَنعاء لأتباعه، عقب مقتل أبيه، سمعها الإرياني نفسه من القاضي أحمد السياغي شاهد عيان القصة، «كان قد دخل صَنعاء مع القبائل الداخلين وأنه كان في طريقه إلى قصر غمدان رأى امرأة حاملاً، خرجت لبعض شأنها، ورآها بعض القبائل فظن أنها تخفي حُلياً أو مجوهرات تحت ثيابها وتتظاهر أنها حامل لتنجو بما معها، وبدلاً من أن يمد القبيلي يده ليحس ما عَليْها ويتعرف على ما تحت ثيابها سل جنبيته «خنجره» وطعن المرأة الحبلى، فبقر بطنها وسقط الجنين إلى بين رجليها على الطريق وماتت المرأة وطفلها. ومر الرجل الجلف القاسي وكأن شيئاً لم يكن فاشمأز ضمير القاضي السياغي، وأمر من معه من الجنود بالقبض على القاتل وأودعه في سجن القلعة؛ ولكنه شكا أمره إلى سيف الإسلام العباس الذي كان على رأس القبائل الذين دخلوا صنعاء، واستباحوا واستحلوا ما فيها، وكان الإمَام أحمد قد أباحها للقبائل قبل دخولهم، وكانت أطماعهم من أعظم حوافزهم إلى أن يأتوا صَنعاء من كل صوب وأوب، فأمر العباس بإطلاق القاتل لأنهم قد أباحوا صَنعاء وما فيها ومن فيها للقبائل، وذهبت المرأة وطفلها ضحية طمع القبيلي وظلم الحاكم.. (6) وقَدْ ذكر الدكتور مصطفى الشكعة أن ثلاثة أرباع نساء صَنعاء قد انتُهكت أعراضهن، وفُحش بهن في هَذِه الغزوة الوحشية المشئومة (7).
وثمة قصيدة لأبي الأحرار الزبيري عنوانها : «العجوز وعَسْكري الإمام» تُجسد معاناة المرأة تجاه الإرهاب الإمامي الذي عانت منه المرأة اليمنية، في حوارية ديناميكية، يقول فيها :
المرأة :
يا رب كيف خلقت الجند ليس لهم
عندي طعامٌ ولا شاء ولا نعم
ويلاه مالي أرى وحشاً وبندقه
أذلك العسْكري الغاشم النهم
العسكري:
نعمْ أنا البطلُ المغوار جئت إلى
عجوزة لم يهذب طبعَها الهرم
إنا جنود أمير المؤمنين فلمَ لا
تذبحي الكبش يا حمقاء دونهمو؟
أين الدجاجةُ؟ أين القات؟ فابتدري
إنا جياعٌ وما في حيكم كرم
المرأة:
يا سيدي ليس لي مالٌ ولا نشبٌ
ولا رجالٌ ولا أهل ولا رحم
إلا بني الذي يبكي لمسغبةٍ
وتلك أدمعه الحمراء تنسجم
وهذه البيدُ فاقطف من هواجرها
ما شئت إنا إلى الرحمن نحتكم
ماذا يريدون من جوعي ومسغبتي
إني لكالحمل المشوي بينهمُ
يطلبون زكاةَ الأرض؟ ليس بها
إلا الحِمام وإلا الحجر والرخم
أم جزية الكوخ؟ لا كانت جوانبه
السوداء ولا نهضت في ظله قدم
أم قيمة القبر قبل الموت واأسفاً
الكوخُ قبري فما للظالمين عموا؟!
العسكري:
إني إذن راجعٌ للكوخ أهدمه
يا «شافعية» إن الكذبَ دأبُكمُ
وثمة قصيدة أخرى للشاعر البردوني هي في الحقيقة بكائية من أروع ما جادت به قريحته الشعرية، وجسدت مشهداً دراماتيكياً مأساوياً بين امرأة وفقيدها، بسبب الحرب التي خطفت روحه، فعاد رفاقه، فيما هو لم يعد .. يقول :
لم لا تعود؟ وعاد كل مجاهد
بحلى (النقيب) أو انتفاخ (الرائد)
ورجعت أنت، توقعاً لملمته
من نبض طيفك واخضرار مواعدي
وعلى التصاقك باحتمالي أقلقت
عيناي مضطجع الطريق الهامد
وامتد فصل في انتظارك وابتدا
فصل، تلفح بالدخان الحاقد
وتمطت الربوات تبصق عمرها
دمها وتحفر عن شتاء بائد
وغداة يوم، عاد آخر موكب
فشممت خطوك في الزحام الراعد
وجمعت شخصك بنية وملامحاً
من كل وجه في اللقاء الحاشد
حتى اقتربت وأم كل بيته
فتشت عنك بلا احتمال واعد
من ذا رآك وأين أنت؟ ولا صدى
أومي إليك، ولا إجابة عائد
وإلى انتظار البيت، عدتُ كطائر
قلق ينوء على جناح واحد
لاتنطفي يا شمس : غابات الدجى
يأكلن وجهي يبتلعن مراقدي
وسهدت والجدران تصغي مثلما
أصغي، وتسعل كالجريح الساهد
والسقف يسأل وجنتي لمن هما؟
ولمن فمي؟ وغرور صدري الناهد؟
ومغازل الأمطار تعجن شارعاً
لزجاً حصاه من النحيع الجامد
وأنا أصيخ إلى خطاك أحسها
تدنو، وتبعد، كالخيال الشارد
ويقول لي شيء، بأنك لم تعد
فأعوذ من همس الرجيم المارد
أتعود لي؟ من لي؟ أتدري أنني
أدعوك، أنك مقلتاي وساعدي
إني هنا أحكي لطيفك قصتي
فيعي، ويلهث كالذبال النافد
خلفتني وحدي، وخلفني أبي
وشقيقتي، للمأتم المتزايد
وفقدت أمي : آه يا أم افتحي
عينيك، والتفتي إليَّ وشاهدي
وقبرت أهلي، فالمقابر وحدها
أهلي، ووالدتي الحنون ووالدي
وذهلت أنت أو ارتميت ضحية
وبقيت وحدي للفراغ البارد
أتعود لي؟ فيعب ليلي ظله
ويصيح في الآفاق أين فراقدي؟
(1) النبذة المشيرة، سابق، 31 .
(2) انظر: الهادوية بين النظرية السياسية والعقيدة الإلهية، ثابت الأحمدي، إصدارات وزارة الثقافة، اليمن، ط: 1، 2028م، 161 فما بعدها.
(3) انظر: صفحة من تاريخ اليمن الاجتماعي وقصة حياتي، محمد بن علي الأكوع الحوالي، مطبعة الكتاب العربي، دمشق، ص: 105.
(4) مذكرات القاضي الإرياني 1 / 62.
(5) طيب الكساء، 267. واليمن في ظل حكم الإمَام المهدي، 237.
(6) مذكرات القاضي الإرياني، 1 / 143.
(7) انظر: مغامرات مصري في مجاهل اليمن، الدكتور مصطفى الشكعة، ص: 168. والغزوة التي يقصدها هنا غزوة الإمام أحمد لصنعاء، بعد فشل ثورة الدستور، عام 1948م.
** **
- د. ثابت الأحمدي