فيصل خالد الخديدي
نشطت خلال الأسابيع القليلة الفائتة حركة إقامة المعارض الفردية والجماعية محلياً، وبرزت ثنائيات بعض المعارض التي تجمع تجارب فنانين بتلاقي لوني أو أسلوبي أو بيان وفلسفة مشتركة، وأضحى بيان المعرض وفلسفته المكتوبة والمعدة باحترافية العتبة الأولى للولوج لعالم المعرض ومصافحة فكر الفنان قبل ألوانه، وهو ما يشي بارتفاع مستوى وعي الفنانين بما يقدمون، وزيادة الاهتمام بالجانب الفكري والفلسفي في تقديم الفنانين لتجاربهم وأعمالهم وأنها لم تعد متعة بصرية أو استعراض لإجادة تقنيات، وإنما أعمال فنية ناضجة تهتم بالجوانب الفكرية والفلسفية اهتمامها بالجوانب الجمالية والتقنية والوجدانية.
برزت ثلاثة معارض من ضمن المعارض التي أقيمت أخيراً لفنانين شباب وجاء حضورها الملفت وتحقيقها للتجانس والحيوية وجدية التجارب والإصرار في البحث والتقصي لتقديم طرح مختلف إلى حد ما مبني على فكر وفلسفة مع حضور المتعة البصرية والثراء لوني...
سُدم... غيمة لون
في المعرض الثنائي سُدم والذي أقيم بنايلا جاليري في الرياض قدم الفنان رائد الأحمري والفنانة نورة الزهراني مجموعة أعمالهم تحت غطاء مسمى وبيان واحد لامس شيئًا من الذاكرة بشكل تعبيري رمزي أو أيحائي مجرد، فضبابية الحالة الظاهرة في بداية النظر لأعمال رائد الأحمري وبقايا شخوصه التي يسترجعها من ذاكرة القرية الجنوبية والطقوس الحياتية بها لم تفقد ألوانه حيويتها ونضارتها بل أضافت لها بعداً وجدانياً يشعل الحنين لهذه العوالم التي تزخر الذاكرة بها وتستدعيها أعمال الفنان بكل رشاقة في اختيار الزوايا والمواضيع بإنسانيتها وزخرفيتها، وقدمها بشكل متوازن لم يطغ منها جانب على الآخر، وبالروح نفسها قدمت الفنانة نورة الزهراني مجموعة أعمالها في معرض سدم، حيث أتقنت في تلخيص الكثير من المشاعر والحنين لذاكرة المكان والأشخاص ولكنها قدمتها بشكل أكثر اختزالاً وتلخيصاً وارتفعت غيمة ضبابية الحالة في أعمالها لترقى ببقايا قريتها الحالمة في شم الجبال الشاهقة وتستدعي روح المكان وشيئًا من أثر الإنسان.
جسور بين العين والوجدان...
قدمت الفنانة وداد الأحمدي معرضها الشخصي الأول بمسمى (جسور) في قاعة زوايا بجدة، وهي تجربة جريئة من الفنانة في تقديم نفسها في أول معرض لها بأعمال تجريدية أجادت فيها التعامل مع الحسي والبصري وكانت جسورها متينة في التعامل مع اللون والتعبير به عن مكنوناتها في تكوينات لونية متوافقة تارة ومتباينة تارة أخرى تاركة زمام الأمور بالكامل لانفعالاتها وحديثها الداخلي ليتولى سير توزيع اللون وبناء تكويناته لترتفع وتيرته حد الضجيج المنظم ويخفت حد التناغم والهدوء والنعومة والعاطفة بجميع حالاتها، وهو حديث صادق وبوح شفاف تعاملت فيه الفنانة مع اللون كأداة تعبير لا تجامل ولا تتجمل، وأعمالها بصرياً كانت متسقة ومتناسقة وبنائيتها حققت التناسب بين الكتل اللونية في الأحجام وفي كنه اللون وإضافة الخطوط العشوائية جعلت الكتل اللونية أكثر حركة وحيوية.
ومضة اللون في حوار
وفي المعرض الثنائي (حوار الألوان) الذي جمع الفنانين فهد النعيمة وطلال الزيد بصالة تجريد في الرياض، وهي التجربة الثانية التي تجمع أعمال الفنانين في معرض مشترك مما أعطاه نضجاً أكبر وتقاربًا أكثر في طرح الفنانين، فأعمال الفنان فهد النعيمة استمرار لبحثه المتعمق في رسم الإبل واختزالها بطريقة أكسبته خصوصية في الطرح وقدمها برؤيته التي اعتمدت على إظهار جمالياتها بالتلخيص في التفاصيل والاستطالة في الأشكال والومضات في الألوان، فنسيج ألوان فهد غني ومتباين وهو ما يضيف ديناميكية لا تهدأ في أعماله مما أضاف حركة لعناصر أعماله، أما أعمال الفنان طلال الزيد فتماهت وتقاسمت الومضات اللونية مع أعمال شريكة في المعرض الفنان النعيمة واختلفت في حوارها عنه بالعناصر التي غلب عليها الوجوه الإنسانية وبنائية الأعمال التي اعتمد على عناصر أقل، وكان حوار اللون في أعمال الزيد أكثر توافقاً وهدوءًا، فأشتغاله على اللون ودرجاته جعل أعماله متوافقة، واعتمد في إضافة الحيوية والحراك لأعماله على اللمسات والومضات اللونية باللون ودرجاته بدلاً من الألوان المتباينة.