د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** أربعة عشر حملًا بقي منهم عشرة، تلتها رعايةٌ وتربيةٌ ومتابعةٌ، وعناية بوالدي زوجها، ورعاية لوالدتها وشقيقها، وتدبير بيتٍ ساكنَهم فيها بقرٌ وغنمٌ ودجاج، ولم يمنعها - في حال المخاض- أن تُولّد البقرة والماعز، وتحمل كيس القمح إلى « طاحون عوّاد» من «سوق القصر إلى السلسلة»، وبينهما مسافةٌ كبيرة، فتتوقف عند جدار بيتٍ، أيِّ بيت، وتسند رأسها حتى يخفَّ عليها ألمُ المخاض.
** بذلت بإرادتها، وشاءت - دون أمرٍ أو آمر- أن تساعد زوجها العصاميَّ المنشغلَ بدراسته وتدريسه انتظارًا لراتبٍ لا يتعدى أربع مئة ريال، وكانت تتقدمهم – حين يخرجون إلى البر – في التقاط حشيش البهائم وقت الربيع وتخزينه في مستودع خاص لتعليفها وقت الصيف.
** كانت حياةً شاقةً في الأعوام الأولى؛ فالوالد عليه رحمة الله لم يكن ذا وفرة ولم يُحمّل ذمته ديونًا، لكنه كان من أوائل من امتلك سيارة في أوائل الثمانينيات الهجرية، وسكنَّا في أفضل البيوت بمعايير زمنها، وكان في بيته هاتف برقم مميز (333) ضمن القلة الذين توفرت لهم الخدمة حينها، وكذا الأمر في خدمات الطعام والماء والكهرباء والتكييف والترفيه والسفر، وتنقل الوالدان بين تسعة بيوت: « الحدرا وسوق مصعد والخريزة وسوق القصر والجوز وحي عفنان بحائل، وهي بيوت مستأجرة، وكذا في القرعاوية والهدا والخندق وهي بيوت مملوكة».
** وعت دورَها فحملتْ عن الوالد أعباءً كبيرةً كانت ستربك أولوياته لو وكلتها إليه، وبدّل الله العسر بيسرين، وجاءت بداية التغيير حين تخرج في كلية اللغة العربية وزاد مرتبه إلى قرابة ألف ريالٍ شهريًا، وكان أن امتلك أول بيت عام 1388هـ، ولما يمض على زواجهما أربعة عشر عامًا.
** كانت والدتُها مدرستَها الأولى؛ فقد توفي والدُها (صالح) رحمهما الله وهي صغيرة، فأخذت منها وعنها سماتها الشخصية وسلوكها الجمعيّ، وظلت سيدة الثمانين بمشاعر ابنة الثامنة؛ تتحدث عن والدتها (نورة العبدالله الخراز) بإعجابٍ وامتنانٍ؛ فتبرها كأجمل ما يكون البر، وتستعيد حياتها معها وكأنها ما تزال أمامها، وهي التي غادرت دنيانا عام 1402هـ.
** حين صدر كتاب (الألفية لا الأبجدية) عن مسيرة الوالد رحمه الله كانت الوالدةُ أشدَّ الناس احتفاءً به، وحفظت نسختين خاصتين لها في مكان جلوسها وفي غرفة منامها، وقُرئَ عليها أكثرَ من مرة، ومن فضل الله أن هيأ لها مقدرةً متفوقةً على المتابعة التقنية عبر جهازها اللوحي (الآيباد) والكفِّي (الجوال)، وهي – اليوم – أحرصُنا على مكتبة الوالد رحمه الله لاعتيادها عليها مذ كانت خزانة صغيرة حتى شغلت مساحة كبيرة؛ فتتعهدها وكأن الوالد ما يزالُ بيننا لعلمها بأن ذلك يبهج روحَه ولو غاب جسده.
** موضي الصالح الرعوجي 1360 - تعاني من السكر والضغط وآلام المفاصل واستئصال كُلْية، وسبق أن أجرت عملية استبدال مفصل ركبتها، وإزالة الماء الأبيض من عينيها راضيةً رضيِّةً تشكر الله فلا تشكو لغيره ولا تحكي لغيرنا.
** الأمُّ هي الحياة.