سأحكي لكم في هذه الزاوية حكاية أيها القرّاء الأعزّاء أرجو أن تنال إعجابكم، مناقشاتكم حولها، تفضلوا إلى نص الحكاية:
هذه تذكرتك!
قراَ الجملة، فكَرَ فيها مليّا، مُقَلِبا خاتمه يمنة ويسرة، يُخْرجه متأمّلا، يعيده متوّجا في بُنْصَرِه مٍنْ كَفّه الأيمن!
أسَرّ حديثا إلى نفسه:
لماذا أيمن لم يبدأ بالسلام، لم يقل لي: صباح هديل الحَمَام كعادته ...، قذف بالجملة «هذه تذكرتك «على وجه صفحته بالواتساب؟
أسئلة كثيرة تتغلغل في رأسِهِ، تطبخ، تتخمّر، تتبخر تخرج على شكل دوائر من الظنون!
أدخلَ أصابعه في فروة رأسه، فركَها، طحنها، حربٌ ضروس تبدأ من المقدمة، المنتصف، الميمنة، الميسرة، حتى المؤخرة إلى أن وصل منتهى ذقنِهِ، يزيين شارِبَه، التقطها أخيرا، وضعها بحرصٍ ما بين السبابة والوسطى!
ثم عاد يسأل روحه بإصرارٍ أكثر:
لقد قتلتني هذه الجملة (هذه تذكرتك) صديقي أيمن هذا أعرفه منذ الطفولة أذكرُ مرّةً ذهبنا إلى شارع التلفزيون ضمن حواري الرعب بدلوعة الغيم، تجمّع حولنا مجموعة من المتحرشين الحقيقة كنتُ الأجمل وهو الأرعن، تلقّى ذاك المساء ضربا مبرحا وعندما سألني أين كنت ؟ قلت له وحُمْرة رُسِمَة على خذيّ:
أبحث لك عن عِصِي!
كتب يردّ على أيمن أخيرا:
(أنت أحقر إنسان، جبان، عقدة النقص لديك لا تنفك عنك، حتى ماء البصق هنا أطهر منك أيها القذر
كاد أن يرسلها توقف!
حذفها بسرعة، تعوّذ من الشيطان، رفع رأسه قليلا من شاشة الهاتف، وضعه على المنضدة هنا شاهد تلك الحشرة التي أخرجها من شاربه الكث معتقدا أنه قتلها رميا بالطحن، كلما اقترب منها تمنّعت تسير ببطء وأحيانا بسرعة، كاد أن يفقد أثرها، حشرها في الزاوية ما بين حافظة الأقلام وكتاب الجاحظ البخلاء وكتيّب عن جنون العظمة، هذه المرّة انقض عليها كالقسورة لم يفلتها حتى شاهد الدماء تلطخ الكتاب!
استقرّ على كتابته معتقدا أنها الأخيرة وهي:
وعليكم السلام
صباح الفل والكادي
عن أي تذكرة تتحدّث؟
رفع حواجبه قليلا، حكّ خدّه، مرورا على رقبته
ثم قرر أن يحذفها!
كرامتي فوق كل شيء، ضميري ليس سلعة لمن يدفع أكثر، هذا خط أحمر مفهوم يا سيّد أيمن
كتبها ثم تراجع حاذفا إياها حرفاً حرفا...
ذهب ونضح وجهه ببعض الماء، وكتب:
«شكراً ... وهذه تذكرتك»
وتركها ذاهبا لحساباته بتويتر والاستقرام والفيس بوك.. كاد أن يغفو على منشور قرؤوه، لكنه عاد ودخل الواتساب باحثا عن رد من أيمن!
وفتح الرسالة مهرولا، أنفاسه متقطعة، ويده ترجف، سقط خاتمه، حبّات العرق تتصفّد من جبينه، اعتدل في جلسته وبالكاد قرأ:
أعتذر لك بشدّة ???????? كتبتها بالخطأ..
قصدت (أهذه فكرتك؟)
لكن لدي سؤال إذا سمحت لي عن أي تذكرة تقصد؟!
أطفأ هاتفه، اقفل باب مكتبه، أدار مفتاح مكيّف الهواء، عاد يختبئ في سريره..
سطر وفاصلة
(هي لم تفعل شيئا سوى أن بداخلها شرّا)
هذا آخر سطر من حُلْم أمي التي رحلت وبقيت ذكرياتها في روحي، مُخطئ مَنْ يعتقد أن الأحلام معظمها أضغاث، تتبخّر مع أول فجر!
** **
- علي الزهراني (السعلي)