«مَنْ لا يملك قرشاً لا يساوي قرشاً» مثل ساد طوال التاريخ؛ وتغلغل بوعي البشر كالسوس في الأسنان؛ ثم حول معظم البشر إلى مصاصي دماء؛ يلهثون لتحصيل «القرش» بأي «وسيلة» دون قيم ولا أخلاق!
«مَنْ يملكون القروش» يلهثون وراء زيادتها؛ فهم على يقين أنها ستختفي إن بقيت دون «زيادة»، فمن أين لهم تحقيق ذلك؟ هل الذي لا يملك «قرشاً» قادر على تنمية «كروشهم»؟ بالطبع لا!.. فلا يستطيع ذلك إلا صاحب «الكرش»، وبالتالي يعملون على مبدأ «القوي يأكل الضعيف». أي أنهم ينهشون بعضهم بعضاً بدماء من هم ليسوأ من أصحاب الكروش. أي على مبدأ «التناهش» الجماعي كالكلاب المسعورة. ثم دخل مصطلح «التناهش» مصانع التحلية في علم الاجتماع كي يصبح «تنافسا»!
ثم يأتيك أصحاب «الكروش الطفيليين»، أي «التراثويون الجدد» ليقولوا: - «وزع الأرزاق بين الناس»... كيف تستطيع أن تقول لهم لا، وهم يمتلكون حق تفسير القرآن الكريم والسنة المشرفة دون سواهم! ولا يستطيع مثقف أو فيلسوف أو عالم على مناقضة رأيهم؟
العلة ليست بالثقافة إذن، إنما بـ«الكروش»! فلم يكن الفيلسوف العظيم سقراط من أصحاب الكروش؛ ولا في خدمة أصحاب الكروش؛ وعاش في زمن الوثنية؛ أي قبل الأديان السماوية؛ ولكنه رفض مبدأ «الجبرية» في التفكير! بل فضل أن يموت مسموماً على أن يقر بمبدأ التفكير «الجبري» وإلغاء إرادة الإنسان! وقد حاول العالم الإسلامي الجليل «ابن طفيل»؛ ترويج فكرة أن أصحاب الكروش سيعملون بما أنزل الله سبحانه بـ «إدراك مشيئته»! وافترض أن طفلاً بشرياً وجدته غزالة على جانب النهر في الغابة؛ وأسماه «حي بن يقضان»؛ فارضعته وربته تلك الغزالة حتى ماتت؛ ثم رأى خلسة هذا «اليقظان» بعد أن كبر؛ عابر سبيل يصلي في الغابة؛ فـ «أدرك وجود وقدرة الله سبحانه بفطرته»! ولكن حتى ابن طفيل ذاته لم يستطع جعل الوصول إلى التفكير «فطرة خالصة»؛ بل «افترض» عابر سبيل استمد معرفته من مجتمع؛ فنقلها لـ «اليقضان» دون أن يراه!
المعرفة المتراكمة أثبتت أن فرضية الفطرة لم تكن ولن تكون. فالطفل يتعلّم من المجتمع؛ فهو يتعلم النطق؛ ثم اللغة؛ ثم المعرفة؛ ثم التفكير؛ ثم الابتكار فالاختراع فالإبداع ... إلخ. أي تتكون لديه «روح إنسانية»؛ وهذه الروح تتلف إذا تحول ذلك الطفل في داخل المجتمع إلى ما يشبه «الخنزير»؛ يلتهم «الطهارة والنجاسة»؛ ولا يمكنه أن يدرك الفرق!
لقد عاشت البشرية ردحاً من الدهر؛ تغلب فيه «الربح الخنزيري» على «الروح الإنسانية»؛ ولكنه وصل إلى طريق مسدود؛ حيث استهلك خيرات الأرض وطاقات البشر؛ ولم يعد هناك ما يمده بالازدياد إلا العنف. والعنف لا يتحقق إلا بمن ليس لديه «كرش»! لأن أصحاب الكروش جبناء؛ ومعظم من لا يملك أدرك الحقيقة تلك؛ ولن يكون حطباً لأصحاب الكروش كما كان سابقاً؛ ومن تبقى منهم فشل في تحقيق غاية الكروش؛ ولا توجد وسيلة للخلاص إلا ببداية جديدة؛ تنطلق فيها «الروح الإنسانية» بالتغلب على «الربح»!
** **
- د. عادل العلي