د. فهد بن أحمد النغيمش
لا أحد يمكن له أن يقلل من دور الجامعات في إثراء أي مجتمع تحط رحالها في وسطه سواء كان الإثراء معرفياً أم اقتصادياً أم سكانياً، إذ إنها في الحقيقة ليست فقط مجرد مراكز تدريب لما يحتاجه المجتمع من وظائف وتخصصات مهنية، بل هي نواة علمية وقاعدة فكرية وبحثية تستطيع أن تسهم في علاج مشكلات بيئية ومجتمعية وتقديم الدعم اللوجستي والمعرفي والاستشارات العلمية البحثية!
ورغم مرور قرون طويلة على ظهور الجامعات الأولى في العالم، ومع ذلك ما زالت هذه المؤسسات تحتفظ بكثير من ملامحها العامة وأنظمتها التعليمية وما زالت تقوم بأدوار متشابهة، حيث قامت الجامعات وما تزال بأدوار رائدة في تزويد سوق العمل بالأيدي الماهرة وقادت مسيرات التطوير ونشر الوعي والبحث العلمي وغيره من الأدوار التي أدت إلى تطور وتقدم الدول ووضع خططها وسياساتها العامة!
اليوم سوق العمل هو من يثبت لك جودة ما تقوم به من عمل في الجامعات فأنظار المؤسسات الأهلية والقطاعات الخاصة تتسابق للظفر بخريجي بعض الجامعات ممن يملكون مهارات إبداعية وطرق ابتكارية ويصرفون النظر عن بعض الجامعات بحجة نقص المهارات المطلوبة لسوق العمل لدى خريجيها، بل هناك أصوات في العالم ظهرت في الآونة الاخيرة تطلب توظيف ذوي المهارات دون الاهتمام بالشهادة الجامعية لأن معظم الخريجين لا يحققون متطلبات سوق العمل. وزادت نسب البطالة لدى خريجي الجامعات وتوجهت عدد من الشركات الكبيرة مثل جوجل وأبل وIBM وغيرها الكثير لتوظيف أصحاب المهارات دون الاهتمام بالشهادة الجامعية. كما اعتمدت أخيراً الولايات المتحدة الأمريكية في الأمر التنفيذي تفضيل المهارات على الشهادات في التوظيف، وهذا أثار عدداً من التساؤلات الكبيرة والتكهنات الخطيرة بخصوص مستقبل هذه المؤسسات القيادية في المجتمعات. هل ستستمر هذه المؤسسات في نفس مكانتها التي تبوءتها لقرون وتبقى القائدة والمحركة الرئيسة للمجتمع أم أنها ستتراجع؟ هل ستستمر كما هي أم ستشهد تغييرات يمكن أن تحدث فيها؟ وما هذه التغييرات؟
اليوم الجامعات السعودية تقف في تحد صعب أمام متغيرات متلاحقة وتحديات معاصرة تجعلها تعيد النظر في خططها ورؤاها المستقبلية بأفكار ابتكارية وطرق إبداعية تجعل منها عنصراً مهماً في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 ولن تكون الجامعات قادرة على تحقيق ذلك ما لم تكن هي ذاتها تستطيع التفكير خارج الصندوق مع التقليل من التركيز على نقل الكتل المعرفية والطرق التقليدية التي أصبحت روتيناً يردد داخل أورقه الجامعات ويناقش فوق طاولات الاجتماعات.
هذا إذا سلمنا كذلك بأن طالب اليوم يختلف عن طالب الأمس من ناحية التفكير وتعامله مع التكنولوجيا، وهذا يجعل من عضو هيئة التدريس على قدر كبير من الفن لكل ما هو جديد في طرق التدريس الحديثة التي تعتمد على التقنية الحديثة والتكنولوجيا المعرفية المهارية.
جميع المبررات التي تدعو لإعادة النظر في مؤسسات التعليم العالي هي في حقيقتها ضرورة ملحة وعاجلة لأن تراجع الجامعات خططها ومفردات مقرراتها بما يضمن لها البقاء ضمن كوكبة الجامعات المتقدمة.
كذلكم يتحتم على الجامعات تكوين فريق يقوم بمراجعة معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي الحديثة وما هي آليات الاعتماد الأكاديمي وسماته التي تقدم بالنمط التقليدي وجهاً لوجه ضمن مبنى المؤسسة التعليمية وما الذي ينبغي مراجعته أو تعديله؟
من الصعب التنبؤ بما سيحدث في المستقبل، لكن متغيرات الواقع وتحدياته والتطور السريع الذي يتعرض له الوسط المحيط بالجامعات بسبب التقنيات الحديثة وتطور سوق العمل ومتطلبات الجودة العالمية، كل هذا يدعو للتنبؤ بأن الجامعات في المستقبل لن تبقى على ما هي عليه الآن. قد يكون هناك تحديث ومواكبة لمتطلبات العصر، وقد يكون هناك تحول للعالمية بسبب استخدام الأنماط التعليمية الإلكترونية عبر الإنترنت، ولكن الأخطر هو زوال عدد كبير من الجامعات التي لا تستطيع مواكبة العصر.