عثمان بن حمد أباالخيل
قلوب تكسر قلوبًا، وعيون تُبكي عيونًا في وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر والفيس بوك والإنستغرام وبرنامج الواتساب واللاين). بهرجة وأبهة سرابية.. مفاخرة وقتية في تصوير مائدة الطعام من أكل وشرب ومناظر تحيط بالمائدة. توقعت في البداية أنها حالة طارئة، لكن الواقع أنها ظاهرة منتشرة في طبقات المجتمع كافة ما عدا (الأسر المتعففة).
دراسة نُشرت في الديلي ميل البريطانية تشير إلى أن تصوير الطعام مرض نفسي؛ يحتاج للعلاج العاجل. كذلك دراسة أخرى أمريكية تفيد بأن تصوير سُفرة الطعام قبل البدء فيها دليل على مرض نفسي. هل صحيح هناك من الأسر من تذهب للمطاعم الفاخرة فقط لتصوير ما يطلبون، ومن ثم ينشرون ذلك؟ للجواب على ذلك لا بد من عرض ذلك على استشاري في الطب النفسي. هذه الظاهرة تصرفات غير عقلانية، هدفها المفاخرة والبذخ، أم تراها تماشيًا مع الموضة؛ لأن المحتوى في السوشال ميديا فارغ في بعض الأحيان من القيم الإنسانية التي تعكر صفو الأسر المتعففة، وترسم على وجوه الأطفال الحزن والألم من تلك الموائد الفاخرة.
يحز في نفسي ونفوس الكثير من المتألمين مما يعرض في وسائل (التباعد الاجتماعي) من قِبل المشاهير، ولا أعلم لماذا بعضهم مشاهير وهم يُبكون الكثير ممن لا يستطيعون مسايرة موائد الطعام؟! بعض المشاهير فقاعات صابون، لا يدركون ما يعلنون، المهم المقابل المادي، مقابل التسويق والترويج.
إن عدم مراعاة مشاعر غير القادرين على تنويع الطعام يدلُّ على الفجوة الكبيرة بين القادرين وغير القادرين. وهذا دليل على التباعد الاجتماعي، وعدم تفهّم النفسية، والحرج. لستُ ضد نشر الموائد بين الأصدقاء، مع مراعاة الخصوصية في ذلك، لكن ضد نشرها على العموم.
«تعرية البيوت» على السوشال ميديا - للأسف - أصبحت سمت الكثير من بيوتنا. إن الفقر لا يؤثرُ إطلاقًا على غنى العقل والفكر؛ وأكبرُ دليلٍ على هذا هو أنّ هناك الكثير من الحكماء والأدباء والفلاسفة عاشوا طفولتهم وشبابهم بفقرٍ شديد. أقتبس: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته).
عيون يسرُّها رؤية أصناف كثيرة من الأطعمة على طاولة أكلها، وهناك عيون تبكي؛ فهي لا تستطيع إلا أن تأكل صنفًا واحدًا، وربما تكرره كل يوم. رفقًا بتلك العيون، واجعلوا ما تتناقلون بينكم، لكن ليس على الملأ. هل تدركون ما تفعلون أم إنكم تدركون لكنكم لا تريدون أن تعرفوا. التوعية مطلب ضروري لأولئك الذين ينشرون موائدهم عن طريق وسائل التواصل خاصة للجميع، وليس لمجموعتهم، مع إنهم يعرفون ردة فعل الآخرين الذين يذرفون الدموع.
الحمد لله؛ بنوك الطعام والجمعيات الخيرية بدأت تأخذ دورها الإنساني.
وفي الختام، «سناب شات» ظاهرة سلبية، انتشرت في الآونة الأخيرة، وهي مضرة في مجال نشر موائد الناس المنزلية، وربما في المطاعم. نعم، هناك نماذج «سنابيّة» مشرّفة، تعرض تجارب إنسانيّة مفيدة.
من أقوالي: «لا تذرفوا دموع عيون يحزنها ما تنشرون من موائدكم».
** **
- كاتب وروائي