أ.د.عثمان بن صالح العامر
كنت استمع عصر يوم الاثنين 19-6-1442هـ إلى برنامج (نور على الدرب) في إذاعة القرآن الكريم، وكان المستفتى في حلقة ذلك اليوم معالي الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن ناصر الشثري المستشار في الديوان الملكي، عضو هيئة كبار العلماء -حفظه الله ووفَّقه وأعانه - ولفت نظري سؤال ورد في البرنامج يذكر فيه السائل حال شاب تخرَّج في الثانوية العامة بعد أن غشَّ، وما إن التحق بالجامعة حتى شعر بالذنب ولازمه تأنيب الضمير فقرَّر بعد توبته عمَّا اقترف عدم استلام المكافأة الطلابية، إلا أن الجامعة أجبرته على أخذها، فما الحكم في هذا؟
شدَّني السؤال، وعجبت من حال هذا الشاب الذي رتَّب على توبته عن الغش فعلاً ليس بالسهل على النفس البشرية، وذلك لقناعته الشخصية بحرمة هذا المال مع أنه ربما يكون أشد حاجة إليه من غيره، فهو في سنِّ الشباب وللتو التحق بالمرحلة الجامعية التي تتطلب الإنفاق السخي على الدراسة والملبس والتنقَّل والمأكل والمشرب.
وانتظرت بشوق وشغف لما سيقوله معالي الشيخ في هذه الحادثة التي ربما وقع فيها البعض من شبابنا وفتياتنا خاصة هذه الأيام جراء جائحة كورونا وما ترتب عليها من تعليم عن بعد وما تبعه من إجراء الامتحانات النهائية والأبحاث والمناقشات والاستطلاعات والحوارات الصفية والطالب وكذا الطالبة بعيدان عن النظر والمراقبة التي اعتادا عليها داخل الصف الدراسي والقاعة الجامعية.
لم يتوان شيخنا المفضال في بيان أن هذا من التزوير المنهي عنه، إذ إن الطالب ادّعى علم ما لا يعلم والواجب عليه أن يذاكر تلك المواد التي غشَّ فيها ويجيدها ويتوثَّق من إتقانه لها، ولا حرج عليه بعد ذلك في أخذ المكافأة.
طبعاً هذه فتوى خاصة لهذه الحالة ولا يمكن تعميمها - حسب اعتقادي - كما أنه - كما هو معلوم - فرق بين من يسأل عن الحكم قبل اقتراف الخطأ والوقوع فيه ومن يسأل وقد تلبَّس به وصار في حال كحال هذا الشاب الذي سيظل طول عمره في قلق واضطراب نتيجة تأنيب الضمير الذي سيلازمه فيحرمه ما اقتنع به من التوظّف في المستقبل بالشهادة الجامعية التي سيحصل عليها عطفاً على ما سبق من غش في الثانوية، ولا يمكن نظاماً إعادة الامتحانات له وقد نجح واجتاز المرحلة التعليمية التي كان فيها هذا السلوك منه. إن هذه الفتوى لما تراعي الجانب الشرعي فحسب - وهو الأصل طبعاً - ولكن في نفس الوقت لها بعدها التربوي الرائع الذي ينم ويؤكد ويدلِّل ويبرهن على ما ننعم به في هذه البلاد من وجود علماء ربانيين يعالجون ما يطرح عليهم من حالات خاصة بسعة أفق وأخذ لفقه المالآت في الحسبان وإدراك تام للأبعاد النفسية والاجتماعية المترتبة على ما يوقِّعون به عن الله، وكم كنت أتوق إلى أن مثل هذه الأسئلة ذات البعد الشخصي الصرف تكون الإجابة عليها في اتصال خاص بين المفتى والمستفتي دون إذاعة على العامة في برنامج مسموع عالمياً على الهواء مباشرة، لا لشيء إلا من باب الخوف أن البعض ممن لا يدرك دلالة (حال السائل) في الفقه الإسلامي، فيقيس عليه غيره ومن ثم يوقِّع عن الله آخذاً القياس الباطل دليلاً له على ما ذهب إليه في فتواه. لا يسعني وأنا أكتب نهاية هذا المقال إلا الاعتذار المسبق لسوق هذا المقترح بين أيدي القائمين على هذه الإذاعة المباركة ومعدي هذا البرنامج المتميز وعلمائنا الكبار -حفظهم الله ورعاهم - الذين نحبهم ونجلّهم ونكن لهم كل احترام وتقدير، وفي ذات الوقت أرى لزاماً علي الدعاء القلبي الصادق لصاحب فكرة هذا البرنامج (نور على الدرب) الشيخ صالح العلي الناصر الذي بدأ به عام 1392هـ وما زال وسيظل -بإذن الله -منبر نور وهداية للعالم أجمع، والدعاء موصول لعلمائنا الربانيين الذين انبروا للفتيا من خلال هذا البرنامج وغيره، الأموات منهم والأحياء، يقف خلفهم ويدعم جهودهم ويبارك خطواتهم ويثمِّن صنيعهم الخيِّر ويعزِّز وجود مثل هذه البرامج والقنوات والإذاعات النافعة المفيدة لعامة المسلمين في شرق الأرض وغربها جنوبها وشمالها قادة بلادنا المملكة العربية السعودية مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسيدي ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمر محمد بن سلمان بن عبد العزيز، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.