منال الخميسي
أول ما يُدَّرسُ لطلاب كليات الإعلام في العالم هو معنى كلمة إعلام..
فمصطلح الإعلام (هو ما يُطلق على الوسائل والمنظمات أو المؤسسات التجارية أو غير الربحية التي تكون مهمتها نقل الأخبار والمعلومات)، منهم من يحفظ هذا المصطلح عن ظهر قلب ثم ينهي أعوامه الجامعية ليحصل على مؤهل يساعده في العمل ضمن المؤسسات الإعلامية أو يتجه للعمل في مجالات أخرى.
من يعمل في المنظمات أو المؤسسات الإعلامية قد يصطدم بواقع مغاير تمامًا لتعريف مصطلح الإعلام الذي درسه، يصطدم بأن الشق الأول من التعريف وهو أن (الوسائل أو المنظمات التجارية أو غير الربحية غير موجودة على أرض الواقع، فاستخدام أي من المؤسسات أو العمل في مجال الإعلام لابد وأن يكون له عائد إما مادي أو معنوي يعود على القائم بالاتصال، أما الشق الآخر من تعريف مصطلح الإعلام وهو أن هذه المؤسسات أو المنظمات أو الدول تكون مهمتها نقل الأخبار والمعلومات، فيتفاجأ خريج الإعلام أن ما يتم من نقل للأخبار والمعلومات هو الآخر يخدم القائم بالاتصال سواء كان فردًا أو جهة منظمة أو حتى دولة بعينها، وليس نقلاً لمجرد التثقيف أو الإبلاغ للجمهور المراد الوصول إليه فقط.
ومن هنا جاءت فكرة هذا المقال الذي يتساءل عن المؤسسات الإعلامية الدولية، هل تتحرى ما تدرسه أكاديميات الإعلام، وهل تطبق بالفعل ما تم تعريفه عن مصطلح الإعلام؟
هل استخدام وسائل الإعلام من جانب جميع دول العالم بالدرجة نفسها في خدمة المجتمع ومن ثم الدولة وإيصال الأفكار وتحقيق الأهداف المرجوة من استخدامه؟
هل تستخدم الدول القوية نوعًا من الإعلام مغايرًا لما تستخدمه الدول الضعيفة، أو بمعنى أصح بالآلية والمهنية نفسها؟
هل من يمتلك مؤسسات إعلامية قوية كمن يستخدم مؤسسات متواضعة؟
هل ولاء المؤسسات الإعلامية لدولها هو ما يحقق مكانة كبرى لتلك البلدان ويعزز من قدرها ومكانتها على الصعيد الدولي والعالمي؟
أم انتقاء العناصر الإعلامية والقائمين بالاتصال ذوي الثقة والكاريزما والمكانة المقدرة في المجتمع يسهم في تقوية صورة الدولة؟
هل تعتمد الدول القوية بشكل من الأشكال على الوسائل الإعلامية في محاولة إيصال سياستها وحتى تغيير وجهة نظر شعوبها والشعوب المتأثرة بها تجاه قضية ما سواء بالسلب أو الإيجاب؟
الأسئلة كثيرة والإجابة واحدة:-
(الدولة التي تملك إعلامًا قويًا هي بالفعل التي تؤثر وبجدارة في الحياة السياسية والاجتماعية بل والاقتصادية على مستوى العالم)
الدولة القوية هي من تملك مؤسسات إعلامية قادرة على التأثير والإقناع، قادرة على استقطاب أكبر عدد من المتلقين وتنجح في أن تجعلهم يتبنون وجهة نظرها، هي من تملك الأدلة والبراهين وتضع أيديها على الحقائق بل وتختلق الأعذار إن شاءت وتغير السياسات إذا أرادت للدول الأقل قوة.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن وسائل الإعلام الكبرى في العالم هي من تتدخل في صنع القرارات والسياسات الداخلية والخارجية.
لا أحد يستطيع أن ينفي أن وسائل الإعلام تستطيع أن تشترك في الحروب النفسية كأداة ينتج عنها الانتصار في الحروب العسكرية.
ونحن نعيش هذه الأيام في ظل ثورة تكنولوجية هائلة لم يعد الراديو ولا التلفاز أو الصحف فقط أبطالها، ولا حتى الرسائل البريدية التي قد تستغرق وقتًا طويلاً لنقل الخبر أو تداول المعلومة التي تريد مؤسسة ما أو جهة إرسالها.
الخبر أصبح يتجدد ويحدّث في الثانية الواحدة عشرات بل مئات المرات
(الفيسبوك -تويتر -تبك توك - أنستجرام،،،) وغيرها من الوسائل والتطبيقات التي هي من وجهة نظر الكثيرين الوسائل الأقوى والأسرع والأوقع والأشد فاعلية، والدول التي تخرج منها تلك التطبيقات بل والتي تمتلكها هي مالكة لثروة هائلة من الدعم لسياستها ولما تريد أن تقوله، وأن هذه الدول تضمن كذلك تعرض آلاف البشر لأفكارها في الوقت نفسه مما يجعل للمنافسين من الدول الأخرى حظاً أقل في التأثير وجلب الربح المادي والمعنوي بل والسياسي.
كلنا يتذكر في مراحل انتشار (جائحة كورونا) كيف حشدت السياسة الأمريكية دول العالم للإجماع على أن منافستها السياسية والاقتصادية (الصين) هي من صنع هذا الفيرس وساهمت في انتشاره.
حاولت الصين هي الأخرى إقناع العالم بأن الفيرس صنع في الولايات المتحدة ولكن دون جدوى لأن الصوت الإعلامي الأمريكي هو الأقوى والأكثر احترافًا وخبرة في المجال الإعلامي ومن ثم الإقناع.
السيطرة على وسائل الإعلام هي أحد الأدوات المستخدمة في الصراع الدولي وخاصة بين الدول الكبرى.
ففي الإعلام الجديد الذي يعتمد على الشبكات العنكبوتية ويمتلك محركات البحث وما تحوي أجهزة الكمبيوتر وحتى الجوالات من تطبيقات تسهم في إيجاد مجتمعات افتراضية تتضمن ملايين البشر يتداولون الأخبار والمعلومات والرسائل بالمليارات في الثانية الواحدة، وتملك السيطرة على هذا الإعلام الجديد الدول الكبرى التي تنادي بالحرية والديمقراطية وتتشدق بحرية التعبير عن الرأي في الدول المجاورة لها أو في الدول الأقل نماءً. ولكنها عندما تستشعر خطرًا يهدد أمنها أو سلامها الداخلي، فهي لا تتوانى في فرض القيود على حسابات لأشخاص من أفراد مجتمعها ترتأي أنهم قد يساهمون ولو بالخطأ أو بالتهور في عرقلة مسيرتها.
وخير مثال ما حدث مع الرئيس الأمريكي الأسبق (دونالد ترامب) حين اعترض بتغريدات على نتائج الانتخابات الأمريكية وما تلاه من اقتحام أنصاره لمبنى الكونجرس الأمريكي في السادس من يناير عام 2021م.
قام المشرفون على تطبيقات (تويتر) و(فيسبوك) بحظر حساباته حتى لا يشكل خطرًا على الأمن والسلم الداخلي ووضع الدولة الأمريكية في موقف حرج أمام العالم أجمع واهتزاز صورتها كدولة قوية.
الإعلام القوي يعمل كوسيلة من أقوى وسائل الدول في السياسة الخارجية حين يقوم بتحقيق أهدافها، فالدول التي تملك منظمات إعلامية كبرى ودوريات مؤثرة تعمل بحرفية وانتظام وتجدد، هي من تحظى بقابلية وتصبح الأكثر شمولاً واتساعاً وبالتالي تحقيق الأهداف وفرض السياسات.
هذه المؤسسات الناجحة في إحداث التأثير النفسي القوي على مواطنيها ومواطني الدول التي تستهدفها عن طريق التأثير وتغيير الآراء وإثارة المشاعر الوطنية والالتفات خلف من تريده هذه المؤسسات أن يقود مكان ما أو دولة بعينها تعرض أفكاره والمتوافقة مع أفكارها بطريقة حرفية موضوعية غير متناقضة تحترم عقلية من يشاهد أو يستمع وبالتالي من يقرأ.
في السنوات الماضية ظن الكثير أن فضاء الإعلام اتسع كثيراً وأصبح رحبًا غير مقيد وتملك آخرين الخوف من أنه سوف يقوم يقلب موازيين القوى العالمية بل وإضعاف القوى العظمى. إلا أنه سرعان ما تبددت تلك المخاوف حين ثبت لهؤلاء قصر نظرهم وتفكيرهم المحدود تجاه السيطرة والاتزان والحرفية والمنهجية التي تتعامل بها المؤسسات الإعلامية بالدول الكبرى من أجل المصلحة العليا لبلدانها، وأن الحرية التي تبنتها ونادت بها واقتنع بها العديد من أبناء الدول النامية ما كانت إلا أداة استخدمتها لتحقيق مصالح لها وإضعاف للدول المنافسة لها بطريقة أو بأخرى، وبالتالي بسط النفوذ الفكري وتحريك العالم النامي كما تريد هذه الدول الكبرى.
وفي حال استشعرت أن هناك خطراً يلوح في أفق مجتمعها فإنها تقف وبكل قوتها لتكون في خط الدفاع الأول عن مجتمعها كي يكون في الصدارة الدائمة وأن تظل بلدانها المسيطرة والمهيمنة الدائمة على المجتمع الدولي.
وتثبت المقولة التي لابد أن يكررها أساتذة الإعلام (الدول القوية هي من تملك إعلامًا قويًا).
وأعتقد كذلك أنه يجب تعديل تعريف علم الإعلام أو الاتصال طبقًا لما جدَّ على الصعيد العالمي الجديد من تغيرات تجعل من حياديته أمراً بعيدًا عن الواقع الذي يعترف فقط بأن من لديه إعلام قوي يستطيع أن يسيطر ويجني أرباحًا مادية ومعنوية ويبلغ ما يريد من وراء الرسالة الإعلامية التي يبثها.