د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
رأى الفلاسفةُ العقلَ مرجعَهم، وأيقن الصوفيةُ أن القلبَ مرجعُهم، وعدَّ باحثون أن في المتصوفين فلاسفةً كالخيام والكندي، وفي الفلاسفة متصوفين كابن سينا والفارابي، ورُويت مُحاجةٌ سأل فيها ابنُ رشدٍ 520- 595 هـ ابنَ عربي 558- 638هـ عن القمة التي بلغها الفلاسفة بالفكر والمتصوفة بالذكر؛ أهي واحدة أم متعددة؟ فأجاب: إنها هي وليست هي! ودخل السؤال في متاهة تنظير الفريقين؛ فكيف تكون ولا تكون؟ وبدا أن الجمع بين الفلسفة والتصوف عبث.
** سعى بعضٌ للتوفيق بينهما في محاولةٍ للمِّ شملٍ مبعثرٍ أمام قوةِ مدرسة «النقل» القادرة على الإقناع من غير داعٍ لإثقال «العقل» بالاستفهامات أو استمالة «القلب» بالتجليات مع بقائهما حاكمين في ظل النص، ومتحكمين فيما لا يُقيِّده، وستبقى معادلة الجسد والروح، والعقل والنقل، ومُطارحاتُ الإيمان والإلحاد ما ظل تأصيلُ اشتراطات النقل وتفصيلُ افتراضات العقل.
** الحوار حول هذه القضايا ملحٌ إثرَ عودة دراسة الفلسفة وتدريسها إلى الواجهة دون منعٍ أو قمع، وهي ظاهرة إيجابيةٌ، وبخاصةٍ إذا فاء إليها الشبابُ الذين يستأثرُ بهم تسطيح الوسائط الرقمية، وشقاقُ القنوات الرياضية، وإلهاءُ الاستراحات والاحتفالات، وعندما يجدون التعددية الفكرية التي لا تُصفِّي بعضَها، ولا تصادرُ نبضَها، ولا تستجير من الرأي إلا بالرأي.
** تتداخل - ضمن تشابكات الموضوع - المسافةُ الواصلة والفاصلة بين الإيمان والأخلاق حيث ترى بعض النظريات الفلسفية «إيمانويل كانت مثالًا - 1724- 1804م» ألا علاقة بينهما؛ وبالتالي فإن الدين السماوي - في تقديره - لا دور له في تهذيب السلوك وتنقية الضمائر، بل هو جزءٌ من تكوين الإنسان في إشراق ومغيب حياته العدمية. وقد عزا «كانت» سموَّ الأخلاق إلى رقيِّ العقل، في الوقت الذي يؤكد فيه الطيف المقابل أن حسن الخلق يتناسب طرديًّا مع قوة الإيمان، وفي الأثر الكريم: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا».
** ولعل معايشة حيوات الشعوب تثبتُ أن الاتكاء على العقل وحده في تعزيز الأخلاق لا يستقيم طويلًا أمام الإيمان باليوم الآخِر مع أن في «الدَّهرانيين» - كما يسميهم طه عبدالرحمن - من يتجاوز بسمو نفسه وألق درسه نفوسَ ودروس بعض المؤمنين.
** بذا نَبلغُ جانبًا من مفهوم «نظرية العَقد الاجتماعي» كما طورها «جان جاك روسُو1712- 1778م»، وأسسها «توماس هوبز 1588- 1679م»، وهي معرضةٌ لكثيرٍ من التساؤلات، وأبرزها عدم الإقرار لهوبز بشمولها أعمالَ البِر في انتظار مقابلها الدنيويِّ؛ إذ لن تستقيم بحق من تحركه بواعث يقينه بوجود الله وجزائه الأوفى.
** للعقل ميدانُه كما للقلب فضاءاته، وصفاؤُهما دافعٌ نحو مزيدِ نقاءٍ وعطاء، أما حسابات الأنظمة والقوانين والمنع والردع فقد تنجح آنًا وتُخفق آنات. ولعلنا نلتفت لمثل هذه الموضوعات ولو لم تحظَ بجماهير تُصدق وتُصفق؛ لأنها ستهيئ النشءَ لاستفهاماتٍ تلدُ استفهاماتٍ تضيءُ فلا تعتم، وتُضيفُ ولا تخيف.
** الإجابةُ إغلاق.