علي الخزيم
سجلت مدينة الرياض خلال أيام مضت النسبة الأعلى بعدد الإصابات بفيروس كورونا بين مدن المملكة، فهل هذا يعني أن سكان الرياض أقل وعياً من غيرهم بالمخاطر الناجمة عن الوباء المُتحوِّر الذي ما زال يناور ويشاغب العلماء متحدياً -بما وهبه الله سبحانه من أسرار- كل محاولاتهم للقضاء عليه أو الحد من خطورته؟ سيكون الجواب: لا؛ لأن نسبة المصابين بمدينة الرياض إلى عدد سكانها تقل عن نسبة المصابين بمدينة أو قرية أخرى بالنظر لعدد سكانها، وهكذا بالمثل تكون النظرة لإجمالي المصابين بالمناطق، ولمقارنة الإصابات بالمملكة بغيرها من الدول فسيكون بالحسبان الإمكانات والجهود الكبيرة التي توفرها حكومتنا الرشيدة بقيادة قائد الحزم والعزم وسمو ولي عهده الهُمَام والبذل السخي الذي شهد به العالم كله الهادف لتطويق الجائحة والحد من آثارها، فقد يكون مجتمع ما يتمتع بقدر عال من الوعي غير أن الإمكانات لم تُتَح له ليَتَوقَّى شر الوباء، وهنا -ولله الحمد- كل عناصر العلاج والوقاية متوفرة بالمجَّان ولم يبقَ للمواطن سوى اتباع التعليمات والإرشادات من أجل سلامته وصحته وشكر المولى على هذه النعم.
والوعي حالة عقلية ندرك بها قيمتنا وأنفسنا وعلاقاتنا بكل ما حولنا من بشر وبيئة ونتأثر به ونتفاعل ونتعامل معه، وهذا بالضرورة يشمل وعي الفرد بوظائفه العقلية والجسمية كعضو بالمجتمع، وإدراكه لما يدور بالعالم حوله، وإذا كان من المعلوم والمتعارف عليه أن الوعي يتكوَّن ويتحدَّد بحسب البنية الاجتماعية والمراحل التاريخية للمجتمع؛ فإني أرى أن مجتمعنا السعودي بفضل الله ثم الرعاية النموذجية التي يجدها الآن يعيش مرحلة متقدمة من الوعي العام بكل أبعاده وتشعباته، ولكن لا يجب أن يَركَن البعض إلى هذا المفهوم لمجرد الاستهلاك الكلامي، فلابد من الالتزام العملي الفعلي بكل هذه المفاهيم الراقية المتحضرة لنَنْعَم جميعاً بجودة الحياة ونحافظ على صحة الفرد والمجتمع بكل قياس واتجاه وبكل السبل الممكنة، وأن نكون يداً واحدة تعين القيادة وحكومتها الجادة المخلصة الساعية لتحقيق أعلى درجات الرقي بالمواطن وصحته ورغد معيشته.
لا يمكن وصف إنسان بالمتحضر وهو يخالف تعليمات وتوجيهات الجهات المختصة الداعية للامتناع عن إقامة المناسبات الاجتماعية بما يزيد عن العدد المحدد، والتستر والتخفي عن أعين مراقبي جهات الاختصاص، وكما يلاحظ كثرة التجمعات الشبابية والعائلية بالمقاهي بشكل لافت مع قلة الاحترازات، ففيها دلالة واضحة على مستوى الوعي الصحي الحالي وكيف سيؤثر على معدل انتشار الفيروس وصعوبة السيطرة عليه، فهنا تكمن النتائج السلبية لمثل تلك المخالفات؛ ذلك أن التجمعات والاستمتاع بالمناسبة السعيدة يقابلها ألم وحرقة الإصابات بالوباء، وقد تكون إصابات فاتكة تفقد بسببها أهلك وأصحابك، أو ترحل عنهم، والوعي بالمخاطر يفرض علينا التماس ما ينجينا منها، لا الانكباب عليها وتتبعها، والعاقل من اتعظ بغيره، فلزم علينا مع واقع الحال الاتباع الجاد للتعليمات الوقائية ولئلا يَصْدق علينا معنى ما جاء بالآية الكريمة 118 التوبة: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ}.