محمد آل الشيخ
إبان الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي، ابتدع الغربيون (ذريعة) الدفاع عن حقوق الإنسان لتكون (مبرراً) يُعطي القوى الغربية الحق بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المعسكر الشرقي، وتحريض شعوب أوروبا الشرقية على الثورة وإسقاط أنظمتها.
وما من شك أن هذه الدعوات لاقت آذاناً صاغية، وساهمت في إسقاط تلك الدول وانتصار المعسكر الغربي، وعلى رأس ذلك المعسكر بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية.
ويبدو أن الأمريكيين ومعهم دول الغرب قد وجدوا في هذه الذريعة سلاحاً فتاكاً من شأنه تهيئة الدول الأخرى، بما فيها دول العالم الثالث لابتزازهم من خلال المنصات الغربية الكبرى للإعلام، لتحويل تلك الدول إلى دول تدور في فلكهم، وسوقاً جاذباً لمنتجات اقتصادياتهم، لذلك أعادوا التجربة ولكنها هذه المرة ليست نحو أندادهم وإنما إلى كل من يحاول أن يتمرد ويستقل عنهم وعن هيمنتهم الغربية، أو بلغة أدق (احتلالهم) الاقتصادي.
غير أن هذه الوسيلة الانتهازية يقوم الغربيون بتطبيقها بشكل (انتقائي) محض، فهي تطبق هنا، بينما يغضون البصر عن تطبيقها هناك، حسب المصالح التي يُقدّرون أنها ستحقق لهم إما أهدافاً تكتيكية مرحلية، أو أهدافاً استراتيجية نهائية.
خذ مثلاً تعاملات أمريكا ترامب مع إيران وقارنها مع تعاملات أمريكا بايدن مع الدولة ذاتها، تجد أن لغة وممارسات ترامب في منتهى القوة والحزم الصارم، بينما تجد أن بايدن قد تعامل معهم بأسلوب أكثر ليناً وأقل حزماً من ذي قبل، مع أن إيران لم تتغير، لا في سياساتها ولا في رؤاها تجاه الغرب، خاصة أمريكا، ولم يصدر من ساستها ما يوحي بما يبرر هذا التعامل المتناقض، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان؛ بمعنى أن المصالح التكتيكية الوقتية هي ما دفعت بايدن للتسامح، رغبة في جذبها للجلوس معها على طاولة المفاوضات، أما (انتهاكها) لحقوق الإنسان فجرى تهميشه وتقديم المصالح الأمريكية عليها.
وما ينطبق هنا على إيران لأسباب تكتيكية مرحلية، نراه ينطبق على إسرائيل أيضاً ولكن لأسباب استراتيجية، فإسرائيل وتعاملاتها غير الإنسانية هي خارج العملية بشكل كامل؛ فهي تقتل وتغتال وتنكل وتسجن دون أي اعتبار لحقوق الإنسان، ومع كل ذلك لا يجرؤ أي سياسي أمريكي أو أوروبي أن يقول كلمة واحدة، ولو أنه تجرأ وفعل لاعتبر ذلك بمثابة الانتحار السياسي.
الأمر الآخر أن الانتصار لحقوق الإنسان، ودعم الديمقراطية، ليس بالضرورة أن تأتي نتائجها مثمرة على الشعوب نفسها، فما يُسمى الربيع العربي مثلاً الذي دعمه الغرب، وصفقت له منظمات حقوق الإنسان، كانت نتائجه وبالاً على أغلب الدول التي اجتاحتها رياحه، فقُتلَ مئات الألوف، وتشرد الملايين، ودمرت حروبه الأهلية الطاحنة مدناً وقرى بكاملها، ليثور السؤال: هل كانت نتائج ذلك الربيع البائس في مصلحة الإنسان أم سَحقاً له؟
كل ما أريد أن أقوله هنا إننا يجب ألا ننساق وراء دعاة حقوق الإنسان، فالغرب اتخذ منها مجرد وسيلة شرعنها للتدخل في شؤون الآخرين، وبالتالي الهيمنة على ثرواتها ليس إلا.
إلى اللقاء