د. حسن بن فهد الهويمل
بعض المخلوقات من حملة أمانة التكليف تولد، وتعيش، وتموت، وتُبعث، وهي مغموسة في مستنقع الشر المستطير إلى الأذقان، لا يَقْتصر أثرها السيئ على نفسها، ولا على قبيلها، بل يتجاوز إلى القريب، والبعيد، والعدو، والصديق.
والبعض الآخر عَلَيْها السلامُ، يوم تولد، ويوم تموت، ويوم تبعث حية كريمة المحيَّا. خيرها يعم القريب، والبعيد، يبقى أثرها الحسن في حياتها، وبعد مماتها، رفع الله ذكرها، وجعل لها في الآخرين لسان صدق، وجعل لها الرحمن ودَّا.
ذلك فضل الله، أو عقابه، أو ابتلاؤه يؤتيه من يشاء من عباده، ويصرفه عمن يشاء، لحِكمٍ لا نعلمها :- {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}. و{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِين}.
- أين أنت من (نوبل ت 1896م) النادم على مكتشفه، الذي دمر العالم، ثم لما ندم على مكتشفه، أنشأ جائزة للسلام؟.
- وأين أنت من ( هتلر ت 1945م) الذي أشعل فتنة الحرب العالمية الثانية، بدافع عنصري مقيت؟.
فكان أن دمر العالم، وقضى على أكثر من خمسين مليون إنسان من سكان العالم، وألحق الفقر، والخوف، والتعويق فيمن بقي، ولما هزم بالقوة الأمريكية المدمرة انتحر في أسوأ نكسة تجرع مرارتها.
وفي المقابل:-
- أين أنت من ( وليام مورتون ت 1868م) الذي اخترع (المخدر)، الذي أراح العالم كله من الآلام عند إجراء العمليات، وخلع الأسنان؟.
ثم :- أين أنت من ( أديسون ت1931م) الذي اخترع الكهرباء، بل اكتشفها لكونها طاقة موجودة؟.
لقد حقق للبشرية سعادة لا يتصورها العقل، بتوفر الضوء، والطاقة.
تلك هي البركة التي يمنحها الله من يشاء من مخلوقاته، المؤمنة، والكافرة.
لفيف من العلماء، والفلاسفة، والمفكرين، والعسكريين، والقادة. منهم من أحيا النفوس، ومنهم من أماتها، منهم من أسعدها، ومنهم من أشقاها. وكل واحد منهم خط بيمينه تاريخه، ومضى إما إلى مزبلة التاريخ، أو إلى قمة المقامات.
إذا نزع الله (البركة) من الأناسي، أو من المال، أو من الولد تعست الحياة، وشقي أهلها، وتحول العمل فيها إلى وبال، يعم الناس المشاركين، والبعيدين :- {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}.
الأشقياء هم الذين يعم شرهم، ويستفحل ضررهم. وأخطر شيء حين يكون الضرر من عالم، أو من مفكر، أو من زعيم يقود أمته إلى درك الشقاء، والهلكة. لا بركة في الشقي، ولا شقاء مع المبارك.
لم يأت الضلال، ولا الدمار من العامة، وإنما جاء من علماء أضلهم الله على علم.التحريف، والتعطيل، والكذب من شرار الخلق. والمجددون أمر الدين بركات مهداة، ونِعَمٌ مسداة.
في حاضرنا ماذا فعل (الانقلابيون العسكريون) الذين خانوا الأمانة، ونكثوا العهود، ونازعوا الأمر أهله، وحكموا الشعوب بالحديد، والنار، وأسمعوا كلمات الطغيان، والظلم من به صمم، ومثلهم من صنَّمهم، وزيف تاريخهم.
إن علينا لكي نُرَشِّد أمرنا، ونَصْدق في حديثنا أن لا نقول إلا الحق.
(الحزبيون) يلغون عقولهم وراء مبادئ كاذبة، مخطوطة على الورق، وفي الواقع نقيضها، ولا بركة في الكذب.
و(الطائفيون) يعطلون الوحيين، ويبتدعون دينا لم ينزل به الله سلطانا، ولا بركة في البدع.
و(العلمانيون) و(الليبراليون) و(المستغربون) الأذلاء المتذيلون يفصلون الدين عن الحياة، ويقولون منكراً من القول وزورا، ولا بركة مع التعطيل.
و(الملحدون) ينكرون وجود الخالق، ويعلقون أمرهم بالطبيعة الخرساء، وما الطبيعة إلا نظام الكون الذي خلقه خالق الكون، ولا بركة مع الكفر.
كفار قريش حالهم أحسن من حال ملحدي العصر، ذلك أنهم إذا ركبوا في البحر دعوا الله مخلصين له الدين. وإذا سئلوا عن الخلق، والرزق نسبوه إلى الله.
(البركة) في موافقة الحق في القول، والعمل. و(البركة) في هداية البشرية إلى طريق الحق.
و(البركة) في عمارة الكون، وتهيئته لإسعاد البشرية. و(البركة) في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة.
و(البركة) في التيسير، والتسامح، والجنوح إلى السلام.
(البركة) في إكرام الإنسان الذي كرمه الله، والحرص على إنقاذه من درك الشقاء.
لا بركة مع الحروب، ولا بركة مع التنازع، والتناجي بالإثم، والعدوان.
السلام شعار الإسلام، ومكمن البركة.
- {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}.