أحمد المغلوث
يوم ودَّعنا شقيقتي «مريم» أم سعد -رحمها الله- صادف يوم ثلاثاء موعد نشر زاويتي «رذاذ» في هذه الصحيفة. وكانت عندما تطالع ما أكتبه فيها تعلق عليها في «الواتساب» بكلمات مختصرة، فيها الكثير من الإعجاب والتقدير لما أكتبه وأعبِّر عنه. فهي قارئة نهمة.. وعندما كانت تقرأ أو تطالع بعض تغريداتي أو لوحاتي ورسومي الكاريكاتورية الساخرة.. تكتب «يا تاج رأسي أسعدتني اليوم الله يسعدك».. وكنت أعلق على ما تكتبه قائلاً لها: «هذا من ذوقك وما عليك زود فأنت مبدعة من صغرك»، والحق أنها كانت كذلك متعددة المواهب فهي تجيد الرسم والتصميم وفنون الطبخ والخياطة، لكنها عندما تزوجت مبكرًا وباتت معلمة أبعدتها عن ذلك مسؤولياتها الأسرية والوظيفية عن ممارسة هواياتها التي تحبها. ومساء الخميس الماضي اجتمعت مع أسرتي في صالة البيت الرئيسية بجانب المقعد الذي كانت تجلس عليه كلما جاءت لمنزلي. خلال ذلك نظرت إليَّ زوجتي «الجوهرة» وأومأت برأسها إلى المقعد المجاور والذي كانت تجلس عليه أم سعد. كان الحضور ما شاء الله في الصالة كبيراً الأبناء وشقيقتيهم وزوجاتهم والأحفاد والحفيدات. لحظتها تذكرت مشهد عاملتها المنزلية وهي تدفع كرسيها المتحرك وتسبق أم سعد ابتسامتها الممتزجة بعطرها الفريد الذي أبدعت في تركيبته أو خلطته «السرية» إذا جاز التعبير. أشرقت علينا بحضورها ومن ثم تم نقلها من كرسيها المتحرك إلى مقعدها المفضل بمساعدة البعض من الحفيدات، فقدمها مصابة ومهددة بالبتر لكنها ومنذ سنوات وهي تقاوم.. وتتأمل الشفاء من الله فهي لا تتصور أن تفقد جزءًا من جسدها.. كانت تقول: لقد فقدت سعد وكان جزءًا مني ولا أريد أن أفقد جزءًا آخر..! وعندما اعتدلت في جلستها في دلال وهي ممسكة بسبحتها وهي تردد تلك الأدعية المحببة لها كانت ذات جمال جذاب وعيناها حتى من خلف نظارتها الذهبية تبدوان عسليتين غامقتين زاد في عمقهما جمالهما.. وبكينا كثيراً عندما شاهدنا صورها عندما ذهبنا لزيارتها في العيد وجلست بيننا كملكة.. بل لا أبالغ أن أشير في ليلة وفاتها اتصلت عاملتها الوفية (ولما) التي عملت في منزلها 20 عاماً وبعد وفاة ابنها البكر سعد بعد عودته من أمريكا على أثر مرض عضال ورحيله المبكر ضاعف رحيله من آلامها ومتاعبها الصحية وكانت عاملتها الفلبينية الفريدة في الإخلاص والمحبة.. لم تستطع أن تتحمل وجودها في البيت نفسه بعد رحيل سعد. ودارت الأيام لتعمل العاملة لدىسرة في إسرائيل، لكنها لم تنقطع عن الاتصال باأم سعد بين فترة وأخرى، وعندما اتصلت بهاتفها ولم تجب عليها أكثر من مرة خلال وجودها في المستشفى خلال احتضارها.. اتصلت بصديقتها العاملة في منزلنا (ليزا) مستفسرة عنها ولتقول لها إنها البارحة حلمت بمريم مرتديه ثوبًا أبيض وهي بجانب ابنها الراحل سعد. فماذا يعني ذلك؟ عندها أخبرتها ليزا باكية: بأن سيدتها وحبيبتها أم سعد قد رحلت فبكت «ولما « كما لم تبك من قبل وبكت ليزا.. وهاأنذا أكتب هذه الزاوية وأنا أبكي والدموع تنساب من عيني.. ولولا أنني أكتب على شاشة الكمبيوتر لبللتها دموعي، وماذا بعد، إن رحيلك كان صعبًا يا شقيقتي الحبيبة بل قاسيًا علينا جميعًا.. أفراد أسرتك ومحبيك من قريباتك وزميلاتك.. رحمك الله يا أعز الناس.. وجمعنا الله معًا في الجنة.. إنه سميع مجيب..!