عمر إبراهيم الرشيد
هل خطر على بال أحدكم يوماً أو تخيلتم أنكم تأخذون ما في فم أحدهم لمضغه أو أكله؟، عدا عن حالات خاصة لها بعد عاطفي محض فهذه خارج ما أروم الحديث عنه اليوم. فمن أسوأ ما يمكن أن يعتاد عليه المرء أن يردد عبارات أو كلمات أو حتى أمثال رديئة تتردد على الألسن دون تمعن أو تدقيق، لتبين مدى معقوليتها وصحتها من عدمه. من هذه ما يتردد ومنذ ردح من الزمن كلمة (نظرية المؤامرة) وكأن المؤامرة غير موجودة وقديمة قدم الإنسان نفسه، وكأن ما مر ويمر من حروب وقلاقل أو نزاعات بين البشر كل هذه تخلو من المؤامرة!، أو كأن اتفاقية سايكس - بيكو بين الإنجليز والفرنسيين ليست مؤامرة، واحتلال العراق ليس له علاقة بالتآمر نهائياً، وغيرها مما لا يمكن حصره عبر التاريخ الإنساني كله. إذاً أين المشكلة في استخدام هذا التعبير (نظرية المؤامرة)؟.
أولاً لا تحتاج المؤامرة كسلوك بشري لن ينقطع حتى قيام الساعة إلى نظرية، فهذا التعبير في رأيي تم ويتم ترديده صباح مساء من قبل الإعلام الغربي ليتلقفه الإعلام الشرقي فيصبح مصطلحاً يرد به حتى على من يسرد تفاصيل أي حدث أو نزاع أو حرب، ولتظهر بعض القوى الغربية منذ بدايات القرن الفائت وعهود الاحتلال وكأنها براء مما لحق ببلدان عربية وإفريقية عديدة. وللإنصاف والموضوعية في الطرح، رمي علل الشرق والبلدان العربية وأزماته جميعها على (المؤامرة) أيضاً جهل وصفاقة، فلا نفي المؤامرة حق ولا كذلك جعلها شماعة يعلق عليها المأزوم علله منطق وسبيل إلى اجتراح الحلول والانعتاق من الأزمات على اختلاف أشكالها إن كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. فكما أنه كان هناك احتلال أجنبي بعد انحسار النفوذ التركي عن المنطقة، كان هناك استبداد من بعض من تسلموا السلطة بانقلاب أو غيره، وفساد أدى ببعض الدول العربية إلى الانحدار حتى وصلت إلى ما وصلت إليه حالياً كالعراق وسوريا مثلاً.
ولذلك فترديد هذا المصطلح (نظرية المؤامرة) من قبل الملايين اليوم نفي تام للمؤامرة كسلوك بشري، يندرج ضمن ما يسمى بثقافة القطيع، وهو شبيه بتناول ما في فم الآخر وإعادة مضغه!. وخذوا مثلاً حياً هذه الأيام، فهذا الوباء الكوني (كورونا) ما زال هدير الجدل حول نشأته على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وفي المجالس يملأ الأرض، علماً بأن أمريكا والصين تتهمان إحداهما الأخرى، فهل عندما يقول أحدهم بأن وراء الأزمة مؤامرة حيكت لأسباب سياسية أو اقتصادية، هل نتهمه بأنه واقع تحت تأثير (نظرية المؤامرة)؟! وهنا نقول بأن ارجاع هذه الأزمة إلى المؤامرة أو غيرها لا ينبغي أن يقف مانعاً لأخذ اللقاح أو التهاون في التعامل مع الاحترازات والأنظمة، والتعاون بين المجتمع والسلطات الصحية والأمنية لسلامة وصالح الجميع.
من الجهل ارجاع سبب كل أزمة أو حرب إلى المؤامرة، ثم تركها تتضخم وتستشري بحجة أن العمل على حلها لن ينجح فقط لأنها مؤامرة ولن يسمح المتآمر بأي حل، أو تبرئة الساحة وتجاهل العلة الحقيقية لرميها على المؤامرة تخديراً للعزائم، لكن أيضاً نفي المؤامرة جهل مركب لأن العلاج لا بد أن يتعامل مع المصدر.
وخلاصة القول ترديد المصطلحات أو التعابير لأنها دارجة دون تمعن وتدقيق يشبه تناول ما في أفواه الآخرين، إلى اللقاء.