محمد بن عبدالله آل شملان
رحل من دون مقدمة أو تمهيد، ففقَد القطاع الشبابي والاقتصادي فجأة أيقونة من أيقونات التميز فيه، وما أكثرها، لكن الشاب محمد بن عصام الخميس الذي اختاره الله إلى جواره بالأمس كان له أداء خاص ومختلف، جعل منه مثالاً في نشر المعرفة وتجسيد الشغف، ليس على مستوى عائلته أو مدرسته أو جامعته فقط، بل في الساحة الشبابية والاقتصادية المحلية التي بدأ يشعر بتحقيق أهدافه فيها.
غيابه، ورحيله، هما بالتأكيد خسارة لأسرته الصغيرة، لكنه في الوقت نفسه خسارة لأسرته المجتمعية من زملائه وأصدقائه وعارفيه على المستويين الإنساني والمعرفي؛ فخطفه الموت من بيننا، إنساناً مجتهداً ومثقفاً وذكياً وخلوقاً، طالما تميزت جلساته ووسائل تواصلاته الاجتماعية دوماً بتميزه المعرفي ومشاركته تجاربه وخبراته ونظرته للحياة لخدمة العلم والاقتصاد، بهدوء العارف، وثقة المتمكن، ودون جعجعة حب الظهور، حتى سقط شاكراً الله سبحانه وتعالى على الفضائل التي امتنّ الله بها عليه في حسابه على التويتر حيث قال مغرداً: «لا أستطيع عدّ ولا شكر فضائل الله عليّ. كنت أخشى التوفيق من عدمه، والآن أخشى عدم قدرتي على شكر ما وهبني الله. فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا»، كاتباً نهاية المشوار.
مع هول المفاجأة غابت الجمل والعبارات، مثلما غابت مع رحيل أولئك الخلّان والزملاء والأصدقاء الذين سبقوه وسبقونا إلى دار المآب، لكن ورغم ألم الفراق فحين نسترجع شريط الذكريات فإن محمد الخميس وأمثاله يمنحوننا وكل زملائه وعارفيه المثال في العطاء والنقاء والاتزان والانتماء الوطني، والميل إلى العمل بالأفكار وبالمجهود؛ إذ كان دوماً شعلة نشاط وعمل وتميز، أثارت إعجاب كل من عمل معه أو قابله، أو أثرى عليه المعرفة، حتى أصبح مقياساً للتنافسية بين زملائه.
فاسمه لم يغب يوماً عن شركة منافع المالية، الذي كان هو فيها الشريك المؤسس ومدير الاستثمار فيها؛ فقد كان مثالاً في الانضباط والتفاني والاستعداد الدائم لتلبية الشركات الناشئة في المملكة التي لا تتوقف، فكان «الفاعل في اقتصاد الشباب» وعنوانه، مع زملائه في الشركة، حتى تعطلت عقارب الساعة، فخيَّم الهدوء والصمت، وحزنت مسيرة الشركة على غياب اسمه، وكان تأثير غيابه حاضراً في وسائل التواصل الاجتماعي وفي المواقع الإلكترونية منذ الساعات الأولى لرحيله، إذ لم يأت في بال أحد من زملائه وأصدقائه وعارفيه أن يفارقهم على هذا النحو المفاجئ.
سبقنا إلى الدار الحق، مثلما كان دوماً سبّاقاً في تفرّد حواراته وموضوعاته، وحرصه المستمر على المقدمة، مبتعداً عن الصغائر، مجتهداً وقت الفاعلية في مجتمعه، حتى لمع فكره في كل ما قال وكتب، وبعدسة رؤيته نازل الصعاب وتجاوز التحديات حتى لامس أهدافه يوم شارك بتأسيس تلك الشركة، فرفع رأسه اعتزازاً وفخراً، ومنح أسرته وساماً لا يرفعه إلا من هم في مثل نبوغه المبكر.
لن يكون للكلمات أجنحة لتأتي إليه وهو يضيء في أكوان أُخر، لكننا نشهد له بالتميز المعرفي والأخلاقي، وأن اسمه سيبقى منحوتاً في ذاكرة قائمة رواد الأعمال والاقتصاديين الشباب في هذا الوطن، تحفظ أثره الطيب وسيرته العطرة.
أيها الغائب (بقدَرِ الله الذي نؤمن به):
وأنا في هذه السويعات التي تعيشها بعيداً عنا، بعيداً عن مشاعرنا وأحاسيسنا الدافئة التي لن تحس بها، تذكرتُ دموعك التي بقيت، والبكاء الذي جثم على مشاعرك، يوم وفاة والدك عصام بن عبدالله الخميس -رحمه الله- عبر مقالتك التأبينية فيه، عندما قلتَ: «الموت هو الحاجز الأخير الذي يفصلك إلى الأبد عمن تعرفهم.. بعض الناس عاشرتهم، وجمعك بهم واقع جميل، وذكرى عذبة، وبعضهم سمعت بهم ولم يجمعك بهم موعد أو مصادفة.. وبعضهم لفظوا أنفاسهم الأخيرة قبل أن تولد.. الموت هو الضيف الثقيل العادل الذي لا يستثني أحداً، ويستوي عنده البشر، حين يسرق الصغير والكبير، والفقير والأمير، الطيب والخبيث.. هو الموعد المؤجل لزمان ومكان لا نعرفه، بل كل ما يعرفه علمنا المتواضع أنه ضيف قادم لا محالة».
واليوم -يا أنت- حديثك مثلما كان معك هو سيكون معنا في خطواتنا، والإيمان بالموت سيبقى رفيقاً لنا، والاستعداد له صديقٌ لرحلتنا، والدموع بفراق الأحبة لا تغيب عن أعيننا، والدعوات بأن يرحم الله تعالى ويسكن فسيح جناته لمن سبقونا.
وداعاً محمد بن عصام الخميس، فالأماني تفنى، والطموح ينتهي، ولا يبقى إلا الصيت الطيب والذكر الحسن، وخالص العزاء لجميع أفراد أسرتك وكل محبيك، ولكل منسوبي شركة منافع الاستثمارية، بهذا المصاب الجلل.
اللهم يا حي يا قيوم.. يا ذا العرش المجيد.. اغفر لعبدك محمد، وأسكنه جنات النعيم.. يا سميع يا عليم، إنك على كل شيء قدير.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.