د. محمد عبدالله الخازم
قبل البدء، بلغني انزعاج البعض من مقالي السابق قبل قراءة هذا الجزء المكمل له. أقدر الجميع وأتفهم انزعاجهم من الإشارة إلى ضعف المعايير العلمية. هي ألف باء النقد؛ نبدأ بعرض المشكلة أولاً، ثم اقتراح الحلول وهو ما فعلته في المقال السابق وأكمله هنا. وفي النهاية هو رأيي قابل للنقاش والقبول أو الرفض.
نعود لموضوع المقال وأُذكر، بدايةً، برؤيتي لبرنامج الابتعاث التي طرحت بعض ملامحها هنا بتاريخ 30 - 8 - 2020 و2 - 9 - 2020م. الفكرة الرئيسة التي نناقشها هنا محتواها أن برنامج التميز يعني منح الفرصة للأفضل والمتميز وفق معايير واضحة. بعيداً عن (التعقيد) البيروقراطي ولأجل العدالة أرى اختيار المتميزين لمرحلة البكالوريوس عبر مخرجات الثانوية العامة. الأمر سهل جداً، يجب تحديد عدد البعثات السنوية لأفضل خريجي الثانوية وفق معايير موحدة وعلمية في اختيار الأفضل مثل معايير القبول في الجامعات السعودية وعبر بوابة إلكترونية مشابهة. مهم جداً، جداً، تحديد عدد المبتعثين مسبقاً وإعلان الأرقام والدرجات، تجنباً للتشكيك في شفافية ونزاهة وعدالة البرنامج. وللمساهمة في حوكمته مالياً وإدارياً، أو حتى تخصيص إدارته، إن أردنا. ولأنه للمتميزين فلا يليق معاقبة المتميز بإجباره على تخصص أو مكان.
التميز الآخر الذي يتسق مع رؤيتي المشار إليها أعلاه، يكون في اختيار المتميزين في المراحل المتقدمة في دراستهم الجامعية للحصول على فرصة تبادل طلابي بقضاء فصل دراسي أو فصلين في جامعات أجنبية. هذا هو مستقبل الابتعاث الذي يجب أن يتم تطويره.
بالنسبة لطلاب الدراسات العليا، فالمتميز غالباً ما يكون لديه وظيفة في القطاع العام أو الخاص، فلم نحثه على تركها، بدلاً من إيجاد آلية تسهل له الابتعاث دون ترك الوظيفة؟ لست أرى ابتعاث الدراسات العليا ضمن برامج ابتعاث وزارة التعليم، واقترح آلية تشاركية، كأن تتكفل جهة الابتعاث/ المبتعث براتب وتذاكر السفر ووزارة التعليم تتكفل برسوم الدراسة والتأمين الطبي فقط، في بلد الابتعاث. نحتاج نظام الإجازة العلمية مدفوعة الراتب التي يسمح من خلالها بابتعاث الموظف بمنحه راتبه فقط عبر عقود تتعلق بقضاء فترة عمل مناسبة قبل وبعد البعثة. التميز سيكون في إتاحة الأمر لجميع الجادين في القطاع الحكومي أو الخاص أو بشكل فردي.
لعلها مناسبة الإشارة إلى أن عمليات الابتعاث وآليات الإشراف والصرف على المبتعثين تزداد تعقيداً، رغم انخفاض عدد المبتعثين (زحمة والشارع فاضي كما يقال) مما يدعوني لتكرار رؤيتي بضرورة إنهاء برنامج الابتعاث الخاص بوزارة التعليم وتحويله إلى صندوق لدعم التبادل المعرفي. لقد أرهقت وزارة التعليم في برنامج الابتعاث وعقدته بأدواتها البيروقراطية، وهي وزارة مهمتها تنظيمية وإشرافية وليس تنفيذية.
الخلاصة، «مسار التميز للابتعاث» يفترض أن يتيح الفرصة للأميز من السعوديين للحصول على البعثة الدراسية، والمعايير المستخدمة حالياً تفتقد الضبط العلمي ولا تقيس التميز بدقة. أفضل أو أسهل وسيلة لقياس التميز - إحدى دول الجوار تفعلها منذ سنوات طويلة - يكون بإتاحة الابتعاث لأفضل خريجي المرحلة الثانوية، عبر برنامج مستدام يحدد عدد المبتعثين كل عام وفق آلية تنافسية عادلة شفافة.