مها محمد الشريف
إن الأخطاء إذا تكررت تكون مدعاة للفشل، وتحرّض على تفكير قاصر، وذلك ما يدور في إيران بداية من وضعها الاقتصادي الصعب، ومحاولة الضغط لبدء المفاوضات حول الملف النووي، ورفع العقوبات، إلى تحريك الأذناب مثل الحوثي، ومحاولة تسريع أخذ القرار بالعودة للاتفاق النووي.
وماذا بعد أن تجذب الفوضى لإيران سوى خطر يتعاظم، واستعمار مزق حدودها جغرافيًّا، ومصادرة لثروات شعبها؛ فهي تخوض صراعات ورؤى متناقضة عبر ميليشيات وأدوات في اليمن وبقية الدول العربية، وتتحالف مع منظمات أخرى لمواصلة الحرب على محيطها الإقليمي، ولكن المحصلة النهائية ستكون عصيانًا في الداخل، وقوى دولية تعيدها إلى صوابها. فقوات التحالف تمكّنت من اعتراض وتدمير الكثير من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية الموجهة إلى مدن المملكة، ومنها مؤخرًا طائرتان دون طيار (مفخختان) أطلقتهما الميليشيا الإرهابية بطريقة ممنهجة ومتعمدة لاستهداف المدنيين في جنوب المملكة بعد أن استهدفت مطار أبها.
ويبدو أن السياسة الأمريكية الجديدة بعد رفض بايدن العودة للاتفاق النووي بدون توقف إيران عن زيادة التخصيب تسببت في صدمة نظام إيران من خلال طريقة التحرك للسياسة الراهنة للرئيس الجديد؛ فقد توجب على المجتمع الدولي إدانة هذه التجاوزات لئلا تفقدها مواقعها الصلبة كدول لها قرار ونفوذ، وتجعلها معرضة للتهميش؛ إذ يغلب طابع الحوار على القرار في هذه الجرائم التي نعتبرها جريمة حرب.
من هنا، فإن واشنطن إذ تدعو الحوثيين لوقف أعمالهم العدائية فورًا قد تخبرنا بأن إدارة بايدن أمام امتحان كبير في دورها القيادي، ودخولها للحل السلمي باليمن على المحك، والاختبار الحقيقي لسياستها الخارجية.
وليس مفاجئًا -في ظل هذه الظروف- أن تمارس إيران إرهابها عبر ميليشياتها في اليمن والعراق ولبنان؛ فهي ضمن مسار التنظيمات الإجرامية الأشد بشاعة التي تسير على خطى المستعمرين؛ فالتغلغل الفارسي في الشرق الأوسط، وبدول الفوضى تحديدًا، يغذي الصراع، ويلعب على الانقسامات الطائفية، ويزيد فرض حكمها على الفئات المتصارعة. فقد برهنت الأحداث المتلاحقة عبر الزمن أن إيران متورطة في الإرهاب، وترسيخ مبدأ الاستبداد والعنف في الدول العربية.
فالمجتمع الدولي أصبح مطالبًا ليس بالاعتراف بجرائم إيران وميليشياتها وحسب، بل باتخاذ إجراءات صارمة إذا كان فعلاً صادقًا في مكافحة الإرهاب. أما ذر الرماد بالعيون، ومحاولات تسويق الحوثي كطرف في الحل السياسي، فلم تعد هذه الأقاويل والأفكار تنطلي على أحد؛ فأمريكا وبريطانيا وخلفهما أوروبا تتحمل كل منها مسؤولية إنقاذ الحوثيين أكثر من مرة خلال فترة الصراع الداخلي اليمني. ودعم إيران للحوثيين لا يحتاج لأدلة، ومع ذلك فإن مناوراتهم السياسية كانت هي السبب بمعاناة اليمنيين، وإطالة أمد الحرب بين الشرعية والمتمردين الانقلابيين على السلطة، فكثير من الوسائل تفتقر إلى الغايات، وتعود إلى الخلف حيث كانت نقطة البداية؛ لذلك لم يتغير الواقع بل ازداد سوءًا.
الآن يمكن أن نرى السياسة الأمريكية في اختبارها الأول لتحقيق الأهداف التي تنادي بها بتحقيق السلام في اليمن عبر دعم العملية السياسية، وسنرى إذا كانت ستستخدم الضغط على إيران، فالوقت قد حان لإيقاف هذا التصدع داخل اليمن؛ لأن إيران تحمل في خططها واستراتيجيتها تحويل الصراعات في اليمن والعراق ولبنان إلى حروب أهلية، وهذه الميليشيات الضائعة ستظل لعبة يحركها نظام ملالي طهران.