د. عيد بن مسعود الجهني
بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي دين الله الخالد على خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} المائدة 3.
هذه الديار وعدها الله بالرزق العميم والأمن والاستقرار قال تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} البقرة 126.
وبالأمس القريب أعلنت أرامكو السعودية عملاق صناعة النفط العالمي صاحبة أكثر من (266) مليار برميل احتياطي نفطي مؤكد، تحتضن حقول نفط عدة منها حقل الغوار العملاق احتياطيه أكثر من (70) مليار برميل وإنتاجه (5) ملايين ب/ي، بالأمس أعلنت الشركة عن خبر هام طال انتظاره إنه تطوير حقل الجافورة العملاق للغاز في المنطقة الشرقية.
هذا الحقل الواسع مساحته 170 كيلو متر طولا و100 كيلو متر عرضا يحتضن حوالي (200) ترليون قدم مكعبة من الغاز الخام الغني بسوائل الغاز الذي يمثل اللقيم للصناعات البتروكيماوية والمعدنية.
الإنجازات لا تتوقف إنها سلسلة متميزة لهذه الشركة العالمية التي تقوم بالتحري والتنقيب والاستكشاف والاستخراج والإنتاج والتكرير والنقل.. إلخ في ميدان صناعة النفط، والإعلان الأخير لوزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان آل سعود الذي أكد أن الشركة قد تمكنت من تحقيق اكتشافات للنفط والغاز في مواقع مختلفة من المملكة.
ومن تلك الاكتشافات بئر الريش رقم 2 شمال غرب الظهران الذي بلغ معدله 4452 برميل في اليوم مصحوبا بـ3.2 قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميا، ومن هذا الحقل ينتج الزيت العربي الخفيف جدا.
وقد قامت الشركة بحفر بئر الريش رقم (3 و4) وبلغ إنتاج رقم (3) 2745 برميل يوميا مصحوبا بـ(3) ملايين قدم مكعبة قياسية من الغاز في اليوم، ومن بئر الريش رقم (4) بلغ معدل تدفق الزيت العربي الخفيف جدا إلى (3654) ب/ي، و1.6 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز في اليوم.
ليس هذا فحسب فقد اكتشف الغاز غير التقليدي في مكمن (الصارة) في بئر المنحز جنوب غرب الغوار وكذلك في بئر السهباء جنوب الحقل نفسه فمن بئر السهباء تدفق الغاز بمعدل (32) مليون قدم مكعبة قياسية يوميا، ومن بئر (المنحز) بمعدل (18) مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم مع (98) برميلا من المكثفات يومياً. ولشمال المملكة نصيب من هذا الخير الدفاق فقد تمكنت أرامكو السعودية من اكتشاف بئر العجرمية رقم (1) شمال مدينة رفحا حيث تدفق النفط بمعدل (3850) برميلا في اليوم. لذا فإن تاريخ أرامكو حافل بالإنجازات العديدة في ميدان صناعة النفط.. وهذا النجاح لم يتحقق بين عشية وضحاها ولم يأت من فراغ، إنما مهندسه العنصر البشري الخلاق قاده منسوبو عالم أرامكو من الجنسين من السعوديين متظافرين مع المتخصصين من جنسيات أخرى متعددة، جاؤوا من كل حدب وصوب لينضموا إلى قافلة الشركة.
إنه خيركثير في هذه البلاد المباركة فما اكتشف ليس إلا القليل فهناك مناطق (بكر) لم تمتد إليها يد البحث والتحري والاستكشاف بعد بشكل يمكن أن يؤكد وجود النفط والغاز من عدمه، لكن كل التوقعات تتجه إلى نتيجة مؤداها أن أرض المملكة وبحارها تختزن نفطاً وغازاً محتملاً لا حدود له.
الاحتياطي النفطي السعودي مثلاً مرشح للزيادة فقد جاء في الندوة التي عقدها مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية في واشنطن الثلاثاء 24 فبراير 2004، إن أعمال التنقيب والتطوير التي أنجزتها أرامكو السعودية في العقدين الماضيين رفعت تقديرات الحجم الإجمالي للنفط الخام في مكامنه السعودية من 600 إلى 700 بليون برميل وتوقع تحقيق نجاح مضاعف في الفترة المقبلة، ما قد يرفع التقديرات المطلقة التي تعزز تقديرات الاحتياطي بكل أنواعه إلى 900 بليون برميل بحلول عام 2025 ومع تخطيط شركة أرامكو السعودية لإنتاج ما يصل إلى 15 مليون برميل يوميا 2019 فإن الدول الصناعية تريد أن تنتج السعودية ما يصل إلى 19.5 مليون برميل يوميا وهذا قبل أن يشهد العالم جائحة كورونا.
ولذا فإنه في اعتقادنا أن المستقبل الاقتصادي للمملكة في إطار هذه التقديرات وهذه التوقعات سيكون في صالحها إذا تمكنت من التخطيط لمستقبلها الاقتصادي ووضعت الإجابات الصحيحة بكيف ومتى وأين تستغل عوائدها النفطية في صياغة مستقبل أفضل لترشيد إنفاقها وتحديد الأسس والمرتكزات التي يجب مراعاتها عند تخطيط مستقبلها الاقتصادي.
وهذا الخير العميم مصدره النفط صاحب الأيادي البيضاء، فهو أحد أهم الروافد التي تدعم اقتصاد وميزانية الدولة، لذا جاءت الرؤية 2020 - 2030 مركزة على دعم أرامكو السعودية في كل مشاريعها وإعادة هيكلها لتتسع قاعدة البحث والتنقيب والاستكشاف.. الخ، وهذا ما طبقته الشركة فجاءت تلك الاكتشافات واحدة تلو الأخرى ليزيد الرزق لهذه البلاد مهبط الوحي {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} سبأ24. والمتتبع لتطور صناعة النفط يخرج بنتيجة مؤداها أن مستقبل النفط واعد وأهميته تزداد يوما بعد آخر منذ عام 1900م عندما كان الاستهلاك العالمي لا يتجاوز (500) ألف ب/ي ليقفز عام 1940 والحرب الكونية الثانية في بداياتها إلى (4) ملايين ب/ي.
وبعد تلك الحرب المدمرة وتحديدا عام 1950 كسر حاجز (20) مليون ب/ي، ومع بزوغ شمس 2010 بلغ الاستهلاك (86) مليون ب/ي، وفي عام 2018 بلغ (98)، وفي عام 2019 قبل نذير الجائحة أصبح (100) مليون ب/ي.
وإذا كان في عام 2020 قد تركت تلك الجائحة أثرها على الطلب على هذه السلعة النفيسة، وبلغ معدله أقل من (90) مليون ب/ي، إلا أن النفط الذي بلغ سعره عند كتابة هذه السطور (57) دولاراً يؤكد أن مستقبله مشرفا خاصة مع استقبال الدول والشعوب للقاحات التي جاء اكتشافها ليحد من جموح كارثة المرض لتشرق أنوار مبشرة بالخير على تحسن أسعار النفط لتعود لمعدل ما بين 65 و75 دولارا في المستقبل ليمتد الأثر الإيجابي إلى اقتصاد العالم وحركة التجارة العالمية والاستثمار والسياحة.. الخ.
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة