الوجود الكوروني (نسبة إلى كورونا) يبين لنا أن الوجود ليس ثابتا، لذا فالوجود يُشعر به، يُجرّب، بحسب هوسرل وهايدجر، فكورونا جعلتنا نشعر بوجودٍ مغاير لوجود ما قبل كورونا، وجودٌ كوروني يعيد لنا التفكير في الوجود الذي نشعر به.
وللوجود ارتباطٌ بالموت، لذا هايدجر عنده الكينونة-نحو-الموت، فالموت هو الذي يجعلنا نشعر بالوجود، وتفشي الموت الكوروني جعل وجودنا كوروني، فهو وجود مُكوْرن (نسبة إلى كورونا)، فالوجود الكوروني هنا ليس وجودًا متفردًا عما يؤثر به، بل هو وجود مكورن، فالشعور به هو شعور مكورن أيضًا.
فلو افترضنا أن إنسانًا قُذف به فجأة في هذا الوجود المكورن، فإنه سيشعر بالوجود كما هو دون تغير لأنه لم يجرب وجودًا غيره، وهذا لبّ فلسفة هايدجر في الزمانية اليومية للدازاين، وبما أنه سيشعر به كما هو وجود مكورن، فإن وجوديته التي يرى فيها الوجود لن تكون هي الوجودية التي رُئي بها الوجود قبل كورونا، لماذا؟!
لأن الوجود يُشعر به، والشعور ليس ثابتًا، فالوجود متغير بتغير الشعور، وهذا ما جعل الفلسفة الوجودية وجوديات مع فلاسفة الوجودية، بمعنى آخر، فلو أن هايدجر قُذف به في هذا الوجود الكوروني ولم يجرب وجودًا غيره، فإن وجودانيته التي جعلها للدازاين لن تكون هي هذه الوجودانية المعهودة لنا حاليًا.
والوجود الكوروني جعلنا في صلب الآخر المكوّن لوجوديتنا، لذلك نرى الفلسفة الوجودية التي قامت على الآخر الكينونة-معًا عند هايدجر في صلب الوجودية الكورونية بمسمى التباعد-الاجتماعي (نبعد لنقترب)، بعدنا الجسدي هو قربنا الشعوري، فحينما يكون عدم السلامِ سلامًا، فنحن في ديالكتيك الوجودية الكورونية التي تبقي لنا الحفاظ على الكينونة-معًا من خلال التباعد-الاجتماعي.
فالسلام في عدم السلام، فللوجود الكوروني دازاينه الذي يخص يوميته (بحسب اصطلاحات هايدجر)، فهو دازاين يجعل من عدم السلام سِلمًا للكل، ففي الوجود اللاكوروني فإن السلام هو تسليمٌ وجوديٌ شعوريٌ بالكينونة-معا، بينما في الوجود الكوروني فإن السلام صار لا سلام، وعليه فالوجود الكوروني شعوريا ليس هو كل وجود.
فالوجود الكوروني جعلنا نرتهن بالوجود المزمن بوجوديتنا التي تخصنا كل يوم -بحسب هايدجر-، فنحن نوجد في وجودية الوجود بحسب ما يكونه، والمقذوفية هي التي ستجعلنا نشعر بوجوديتنا كما هي أثناء القذف به. ومن هنا صار الوجود الكوروني وجود السلام في عدم السلام.
** **
- صالح بن سالم