عبده الأسمري
ما أن يتردد في الآذان مفهوم «الثقافة» حتى نشعر بأننا في «نشوة» إبداعية ونستشعر بوجود «صوت» يدفعنا من داخلنا للفرح ..ومن كان خارج هذا الشعور فليجرب أن يحاكي ذلك من باب الاستشعار الداخلي ليشعر بالبهجة ويستأنس بالمهجة التي تنساب إلى ينابيع «الذات».
عندما تتحول الثقافة في القاموس البشري والبرنامج الحياتي لتكون أسلوب حياة وسلوك تعايش وأصل تعامل فإنها تدفع المرتبط بها والمنتمي إليها للبحث عن «التفاصيل الصغيرة» ليحولها إلى دوائر «إبداع» ومصائر «إمتاع» من خلال «القبض» على كل جمال في الكلم أو كمال في الأسلوب أو تأنق في اللفظ ليضيفه إلى «الرصيد العقلي» ويملأ به خزينة الذاكرة ليكون «مرجعاً» للانتعاش الأدبي بمكنون الكلمة ومضمون العبارة ومتون الحديث ..
ثمة ارتباط بين الثقافة والسعادة تبرهنها حياة المثقفين الذين حولوا تجارب الحياة إلى مآرب للنجاة من سوءات المواقف وويلات المحطات مع استثمارهم لكل «الاتجاهات» الماثلة أمام العين والماكثة حول النظر والمقيمة في العيش إلى نتاج يستسقي منه الآخرون المعاني الجميلة التي تشبع الأرواح بمضامين التفكر.
للثقافة أصول تعتمد على احترام «الأدب» وتقدير «المنتج» وتسطير «المعنى» وتتعامد على صفات تصقل نفس المثقف فترفع لديه سمات الرقي الإنساني لتمنحه وسام «السمو الأخلاقي» الأمر الذي يؤكد ذلك الارتباط الخفي بين سلوك ومسلك المثقف الحقيقي في التعامل مع الآخر وفي التكامل مع الغير لنرى الأدباء أكثر حظاً من السعادة التي تصنعها أقلامهم وتستنجها ذواتهم التي تصنع لهم «العيش الآمن» حتى وإن تحول الأمر إلى عزلة محمودة أو وحدة حميدة وإن كان هنالك تعايش فإننا سنرى رضا الذات وقناعة النفس وسمو الخلق مشاهدات علنية ترتقي كعناوين في تعاملاتهم ومعاملاتهم وحياتهم حتى وإن شابها الكثير من العوائق وأصابها العديد من المتاعب.
القراءة والكتابة وجهان أصيلان للثقافة وبهما تتغذى العقول وتشبع الأرواح.. وفيهما تتسامى قيم المعرفة.. ومن ارتبط بهما نراه محظوظاً بإدمان تصنعه المعارف التي تجعله ثاوياً في عقر البحث وماكثا في بحر التحليل ومقيماً في محيط النقاش.
تلعب الثقافة دورا محورياً في تطوير العقل واتساع المدارك وتنمية الأفكار لتوجهها من منصات «الدوافع» بالانطلاق على صهوة «التساؤل» لتصل إلى المبتغى العلمي والمنى المعرفي الذي يسوق المثقف لمواصلة رحلة لا تنتهي من الركض في ميدان «الأدب» بحثاً عن ضالة «التعلم» ليكون أكثر شوقاً للبحث عن الجديد وأعظم اشتياقاً للتنقيب عن المتجدد في رحلة سرها «اليقين» وجهرها «الحنين» للاتجاه إلى مرافئ الاستطلاع والمضي نحو مراسي الإبداع.
تمنح الثقافة مفاتيح «الكفاءة» لحل ألغاز الروتين القائم ببؤس في حياة البشر وفك رموز الأنين الماكث باعتياد في ساعات العمر لتنقل الإنسان من ثبات يدفع أحيانا لخطوات إلى الوراء حتى تصنع «التحرك العاجل» لحل قيود التكرار للسير نحو مسارات الاقتدار في تفاعل مع الأدب يجعل الشخصية البشرية في حراك مع التطور الذي يضمن لنا «إبداعات» جديدة و»إضاءات» متجددة في عالم الإنتاج ..
يبحث الكثير عن سعادة منتظرة في مؤجلات تقيد «النفس» في دوائر التوقع وتزهق الذات في مصائر التكهن ..فتأتي الثقافة كبشرى جلية في سماء الواقع معلنة الذود أمام هجمات الإحباط والدفاع أمام موجات اليأس فترمم جدران الوجدان وتزيل عوائق الاطمئنان ..لتسمو بالتفكر وتعلو بالتدبر وتملأ وقت الإنسان بالمنافع التي تجعل كفة «الفوائد» راجحة في عيش اللحظة ومعايشة الحقيقة والتلذذ بالموجود بعيدا عن منتظر في غيب الوجود..
تصنع الثقافة السعادة على طريقتها من خلال التمرد على كل سلبيات الجهل والتجرد من كل مؤشرات الفشل ليكون الإنسان أكثر قدرة على التكيف مع الوقائع وأشد جرأة في التغلب على الفجائع ليكون قادرا على صناعة «التغير» من خلال ملء العقل بالابتكار ..وإشباع القلب بالانتصار ..ليتشكل لديه إصرار نحو إثبات نفسه في مضمار «النجاح»..
للثقافة أصول تصنع فصول السعادة والحصيف من كان منتمياً إلى كيانها محتمياً تحت لوائها متيماً بكل ما يوعي النفس ويثقف الذات ويطور العقل ويوقظ الفكر ويجذب التفوق ويحقق التميز في أبعاد التطور الفكري والنماء المعرفي لصياغة حاضر سديد وصناعة مستقبل مجيد.
** **
- كاتب وشاعر وروائي ومؤلف سعودي