«الجزيرة الثقافية» - مسعدة اليامي:
ضيفة اللقاء هي الكاتبة والروائية سالمة الموشي المهتمة بالشأن الثقافي والسياسي وخطاب الهوية وتمكين المرأة.. تحدثنا الموشي عن التناغم بينها وبين الحرف والكلمة والوسط الثقافي الذي تبحر بكتابتها من خلالهِ تعزف لنا معزوفة بقناعاتها الفكرية الثقافية.
* عندما يكون العزف مختلفاً عن المألوف والمتعارف عليه ثقافياً ماذا يتوجب على المثقف الأصيل؟
- حين يصبح لدى المثقف منظومة عزف مختلفة عليه أن يعزفها، لأنه بالتأكيد قد نضج بما يكفي، لأن ينتج المعنى ويتصدر المشهد ليقوم بدوره التنويري والإصلاحي والواعي هذا معنى الأصالة وبالمقابل يتوجب عليه أن يعمل لأجل الصالح العام للبشرية وليس للخصوصية.
* ما بين القرب والبعد من الوسط الثقافي السعودي أين تجدين نفسك؟
- في كل الأحوال القرب والبعد هما صناعة الأشخاص والمنظومات والشللية والظهور المزيف والوجود المضلل، السعي الدؤوب لإيجاد كرسي شاغر في الفضاء العام، الصوت العالي المهاجم تارة والمحابي تارة للحصول على التفاتة من المؤسسة الثقافية، كل هذه معطيات مؤثرة في مسألة القرب والبعد من الوسط الثقافي وهو ما لم أجيده يوماً. وهنا يكمن الفرق بين أن تكون بالقرب أو أن تكون في الهامش وأقصد بالهامش هنا، هامش الضجيج والجموع الذي لا يميز فيه بين الحقيقي والشبيه. أنا هناك ما بين هذا البعد والقرب أتمسك بكياني الحقيقي.
* ما نوع نغماتك التي تحبين أن تستمتعي بها قبل ظهور أي مولود إبداعي لك سواء كان مقالاً أو دراسة أو رواية؟
- كثيراً ما سألني الرفاق ما الذي تسمعين حين تكتبين، وفي كل مرة أجدني أثير استغرابهم بما أستمع له، إذ حين أكتب أميل لسماع الغريب من النغم والأكثر قرباً لروحي كأن أستمع الى الموسيقى الأمازيغية والكردية وموسيقى الشامان لربما أرغب في أن أشعر بروح تلك العوالم تشاركني وقع حروفي وهي تتشكل إلى حكاياتٍ ومعانٍ.
* ماذا تحت الماء وهل هناك بشرى بقرب خروج لؤلؤة جديدة من عمق البحر؟
- مع الماء وتحت الماء دوماً هناك حياة وهل يملك البحر إلا أن يموج وينساب في ديمومة كونية بديعة، حياتي مثل البحر وفيها لؤلؤ وخير كثير وقد نذرتها للعطاء ودوماً لدي ما أقدمه فبحري عميق ورحلتي حقيقية ويحضرني قول:
شراع يحنّ إلى مركب، ونهر يسيل إلى المستحيل.
* ذكرت اللذة والمتعة عن روايتكِ فكان أول ما قيل لي هل هي رواية جنسية؟!
- هناك شائعات كثر دارت حول روايتي يهوديّة مخلًصة، أما بالنسبة لما ورد في كونها رواية جنسية سأدع هذا الأمر للقارئ الباحث عن هذا المعنى في روايتي الرواية التي تحدثت عن العبث البشري واليتم والموت والحياة والعذابات والتساؤلات الوجودية والهوية، اليهود، والتاريخ، والحب، لربما وجد ضالته بين هذه المعطيات في الرواية.
* حدثينا عن المتعة بالنسبة لك أثناء القراءة وقبل الولوج إلى عالم الكتابة؟
- الكتابة في حد ذاتها كفعل بشري عقلي هي متعة تامة، الكتابة حين تكون أداء مهمة تصبح عبئاً فعلياً، ولكنها ممتعة حين نقوم بها لنتحرر من محدودية وجودنا. الكتابة متعتي حين أكتب أتحرر من غربة المعنى، والوجود، والبشرى الكتابة في مفهومي هي أن تجسد معنى من: «ذَاقَ عَرفَ ومن عرف اغْتَرَف» ومتعتي تكمن في أن ألمس هذه الروح فيما أكتبه.
* ما العذابات التي تمرين بها أثناء عملية مخاض الكتابة وخاصة الرواية كعمل أول بالنسبة لكِ؟
- الوصول إلى مرحلة الكتابة ليس عذاباً، بل هو لحظة الخروج إلى النور، الخروج من اليَم، النظر إلى السماء والتوجه إلى الله، العذاب هو المحرك الأولي للكتابة الإبداعية والمعنى بالعذاب هنا ليس على معناه الظاهر، بل ذلك المعنى العميق جداً في الوعي، في الزمان والمكان الذي يخوض فيه المرء معركته لأجل أن لا يشوهه الظلم، والعنف، والماديات، والآخرون. حين أكتب الرواية أكون قد تجاوزت كل هذا وبدأت أتنفس وأُخلق مجدداً.
* يهودية مخلصة بعدما نُثرت على الورق هل تخلصتِ من الترسبات التي بداخلك أم أنهُ ما زال هناك تفاصيل عالقة ستخرج في رواية أخرى كثلاثية روائية أو ثنائية؟
- في روايتي «يهوديّة مخلِّصة» لم يكن من ترسبات ولا تعليقات، ولا تراكمات، بل كانت فكرة متطرفة لخلق حياة كاملة من البشريين والأحداث السياسية والتاريخية ثم تأملهم وهم بين دفتي كتاب وتأكيداً لمعنى كيف يمكن أن نخلق من الكلمات فعلاً سوياً وخلاصاً معنوياً. وسيكون هناك استكمال للرواية في ثلاثية تحمل امتداداً لذات السياق قريباً.
* يتيم المبدع عندما لا يجد من يشاطره فكرهُ، فهل يستطيع أن يعبر المحيط مجدفاً لوحدة وكيف ذلك؟
- في البدء نعم يشعر المبدع باليتم إذا لم يشاطره الآخرون القيمة والمعنى الذي تناوله عمله الروائي، لكن ما يلبث أن يجد من يفهمه، ويلتمس الباطن من السياق والرسالة في الرواية ونعم كان هناك من قرأ واقترب حتى وإن كان قارئاً واحداً، ولكن سمة الحياة المضي قدماً حيث لا يمكن أن يجدف معك الجميع في بحرك وقاربك فيغادرون سريعاً ولسان حالي كما قال تعالى: «سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» وفي نهاية الأمر الروائي يستطيع أن يعبر المحيط وحيداً، كلنا يوماً سنمضي وَحْدَنا.. وكأنما لم تعرفنا الأرض، ولا السماء ولا العشاق ولا الأبناء الخلاصُ دوماً وجهتنا.
* أشهد أنك امرأة عاشقة للتاريخ والفكر والفلسفة والأدب، ذلك العشق نتاج الدراسة والتخصص أم أنه نبت شيطاني ترعرع داخلك؟
- الدراسة والشهادات الأكاديمية ليست كافية لخلق إنسان واعٍ وتمثل تجربة الحياة وعمقها، ما أنا عليه اليوم هو نتاج ما عملت عليه بالأمس من تهذيب وتطوير لعقلي وفكري وطريقي هذا الأمس أتى من البعيد ومن المعاناة ومن التجربة ومن خوض كثير من الصراعات والحياة غير العادلة.
* روايتك الأولى حققت أعلى المبيعات في معرض الرياض الدولي، كيف كان صدى ذلك بالنسبة لك؟
- أن تحقق رواية الأكثر مبيعاً بالتأكيد أمر يسعد الكاتب ويمنحه ذلك الشعور بالاستحقاق والامتنان في الوقت ذاته. ومن هنا امتناني كبير لله الذي منحني الكثير من الهبات والنعم. والرواية كانت تتناول محوراً مختلفاً وصنفت أول رواية بين خمس روايات سعودية تتناول اليهودية.
* أيهما أفضل بالنسبة للكاتب ارتفاع عدد المبيعات أو أن يقدم عمله في أكثر من دراسة عربية وعالمية؟
- ارتفاع نسبة المبيعات بالنسبة للكاتب يشكل دعماً جيداً ولكنه أمر حركي للمبيعات ولا يشكل إضافة فكرية للإصدارات ويظل الرهان على قراءة المنتج الأدبي ودراسته على المستوى المحلي والخارجي.
* الدراسات التي تناولت ما كتبت، حدثينا عنها أو (سولفي) كما غنى محمد عبده؟
- هناك دراسات ومقالات متعددة كتبت عن روايتي وكذلك عن كتبي السابقة وأبرزها ورقة نقدية بعنوان «التمثيل الوجودي لدونيّة الأنثى: قراءة نسوية في رواية «يهوديّة مخلِّصة» لسالمة الموشي وقدم في مؤتمر «الخطاب النسوي في الوطن العربي» الذي قدم في جامعة فيلادلفيا قدمها الدكتور نضال الشمالي أستاذ السرديات وتحليل الخطاب. وهناك دراسات ما زالت لم تنشر وكما غنى محمد عبده «لا هي نار ولا هي ما، ولا هي غيمة ولا سما، أن حكت.. غنت سنابل من رضا، والسكوت إن صار نيران الغضا».
* هل تحبين أو لا تحبين لماذا أنت سريعة الانسحاب من مجموعات الواتساب أو غيرها من المجموعات؟
- لا أعرف إن كان القصد بقولك «تحبين أو لا تحبين» هو التواجد ضمن مجموعات الواتساب. ولكن الكثير من الأصدقاء وكذلك الزملاء في مجموعات العمل أو الصحف التي عملت بها يعلمون أن من طبيعتي الابتعاد عن صخب مجموعات الواتساب حيث لا أرغب في خوض اليوميات المستنزفة للوقت والطاقة. نعم لا أحب التواجد ضمن هذا النمط اليومي للحياة. ولكني أحب الحياة، أحب اللطف، الجمال، والكتب، والأغنيات الصباحية.
سأطلب القرب منك عزيزتي فهل القربى من المثقفين محرقة؟ متى تكون حميدة ونيران صديقة ومتى تكون خلاف ذلك؟
لست صديقة جيدة في الوسط الثقافي حيث لا أجيد الاستمرارية والتلون وآرائي حادة كما يصفني أحدهم والقرب من المثقفين ليس ميزة نوعية، المثقفون ليسوا ملائكة والقربى منهم محسوبة مثل أي مجتمعات بشرية، بل قد يكون أشد حيث تجد فيهم الفصاميين، والسايكوباتيين، الصالحين، وغير ذلك. لهذا فإن الرهان على الإنسانية والأخلاقية وليس على الدرجة الثقافية.
* هل يراودك حلم المشاركة في المسابقات الأدبية المتعددة وكيف ترين تهافت المثقفين العرب والخليجيين على جائزة البكور قراءتك لحصول الروائي والروائية السعودية على تلك الجائزة؟
- لا أعتقد أن هناك كاتباً أو أديباً لا يرغب في الحصول على البوكر أو فكر في الانخراط في المسابقات الأدبية من هنا وهناك ولا أراه تهافتاً بقدر ما هو محاولة للاستحقاق الأدبي والمعنوي في ظل انعدام هذا النوع من الدعم الحقيقي للجوائز الأدبية. بالنسبة لي الأمر يحدث معي بطريقة مختلفة، فكل الأوقات التي أصدرت فيها كتاب يكون إما قبل الموعد المحدد للبوكر أو بعده بوقت لم أملك ذكاء التوقيت والتخطيط لهذا، فيما البعض كتب منتجاً أدبياً بشكل مخصوص للحصول عليها ليس في السعودية فقط بل من كل الدول العربية. كما أن البوكر عبر السنوات الأخيرة أصبحت كمن يسافر إلى المريخ يحتاج لمركبة تصل بكتابه إلى كوكب البوكر وسكانه وإلا سيضيع عمله في مدار إهليجي.
* أصدرت وزارة الثقافة بعضاً من الهيئات لخدمة الحركة الثقافية، قراءتك لذلك؟
- من المهم أن يكون قادة هذه الهيئات من المثقفين الحقيقيين وليس الإداريين الحركيين. وزارة الثقافة تقدمت بخطوات كبيرة ومدروسة وغير مسبوقة ومتواكبة مع حركة العصر والتقدم المتسارع في التعلم ومصادر الثقافة والمعلومات، والهيئات المعلن عنها وستكون منعطفاً حركياً مهماً ونقطة تحول في الثقافة والحركة الأدبية في السعودية. فعلياً شكراَ لوزارة الثقافة ممثلة في الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود.
* ماذا عن تحويل الرواية إلى عمل درامي أو سينمائي وهل قريباً نرى لك عملاً في ذلك السياق؟
- حتى الآن كل العروض التي وصلتني ليست مقاربه لما أتطلع له، سقف تطلعي عالٍ جداً ويجب أن يرتقي بالرواية لتكون عملاٍ سينمائياً مختلفاً، عملاً يتناول اليهودية في الجزيرة والديانات والمرأة وفلسفة الموت والحياة والحب ويجمع بين السياسة والتاريخ كما في رواية «يهودية مُخَلِّصَة» هذا يتطلب مٌنتجاً قوياً وإمكانات عالية ليظهر العمل كما يجب. أريده أن يكون منتجاً سعودياً تماماً ولهذا لم أقبل بأن يُنتج خارج السعودية لا تمثيل ولا إخراج وسيحدث قريباًَ.