ميسون أبو بكر
حبانا الله سبحانه وتعالى في المملكة العربية السعودية بصحراء رائعة كالذهب الأصفر، مخملية كما لا يشبهها في الدنيا مكان (أو هكذا يشعر عشاقها ولا ملامة)، وطبيعة متنوعة حيث لكل منطقة خصوصيتها وطابعها الذي تنفرد به، وحال كورونا الذي تسبب بوقف السفر والإغلاق في معظم دول العالم، وأقصد هنا إغلاق الأماكن التي يقصدها السياح كالمقاهي والمطاعم ومعظم الفنادق ودور السينما ومراكز الترفيه، إضافة للطيران، كل هذا جعل السياحة الداخلية قِبلة ووجهة أولى للسعوديين والمقيمين الذين وجدوا لذة في اكتشاف مناطق المملكة المختلفة في ظل أمن وأمان صحي بمعزل عما يحدث في العالم.
«البَر»، وهو السياحة الأولى في منطقتنا بخاصة، حيث أذكر منذ نعومة أظفاري كيف كنا نقصده بخاصة في عطلة منتصف العام، أو التي كنا نسميها عطلة الربيع، بخيامنا وأدوات التقاط الفقع الذي يعتبر موسمه بعد هطول الأمطار واخضرار الأرض، وكيف كنا نبيت أيامًا تطرز النجوم سماءنا الصافية فتغدو كوشاح من الحبر الأسود المرصع بها، كما كانت الأرض مهادًا للدراجات والدبابات التي نحرص على أخذها معنا لممارسة الرياضات الصحراوية المتنوعة.
الصحراء رفيقتي الأزلية التي تلوح لي من بيوت الشعر، فيها ميسون الكلبية التي آثرتها على قصور معاوية، وأحبت بيتًا تخفق الأرواح فيه، وكلبًا ينبح كلما اقترب زائر من المكان، ينشد شربة ماء؛ فيفيض عليه أهل الدار بكرمهم، ولو استدعاهم ذلك لذبح ناقتهم الوحيدة أو حتى خيلهم، فصفات أهل الصحراء الكرم؛ لأنهم يغيثون المسافر فيها، وقد انقطعت الدروب به، وضلت شعابها.
الحديث يطول عن معشوقتي الصحراء، لكن ما أطربني العنوان الذي تردد كثيرًا الأيام الماضية حول تأثيث الصحراء التي اتخذها أبناؤها وجهة سياحية بامتياز، أمّنوا بها طلباتهم وحاجاتهم، ومتكئًا لزوارهم وعوائلهم.
تؤانسهم النار التي أوقدوها، يسلّون بها وقتهم، ويتزودون بالدفء لمواجهة برد الصحراء القارص. الدلة والشاي والتمر والحنيني من مظاهر كرمهم، ثم سفرة عامرة بالأكلات الشعبية الغنية بالخضار واللحوم الطازجة.. فلأهل نجد وما حولها طقوسهم الصحراوية التي تلفت الأنظار، التي حرصت على أن يراها مَن حولي من الفرنسيين عبر سنابات متنوعة، أتابعها وتصلني بعشقي نجد، وبطقوس أهلها، وأظنها مادة دسمة للبرامج التلفزيونية التي قد تصور؛ ليطلع العالم على العادات السعودية، وعلى جمال رحلات البَر والأماكن الجميلة في المملكة.
لا حرمنا الله هذا السحر وهذا الجمال، وكذلك الأمن الصحي من كورونا الغثيث والخبيث الذي نحترم أن نراعي الإجراءات الاحترازية الخاصة به، ووقف التجمعات؛ لنتصدى لهجمة قد تكون قاسية مثل تلك التي يعيشها العالم من حولنا.