د. عبدالحق عزوزي
نشرت إحدى المجلات الأمريكية American Medical Association Open أن انتشار الاكتئاب في أمريكا هو في أعلى مستوياته. ولاحظ الباحثون الذين أجروا المسح، بما في ذلك المؤلفة الرئيسة كاثرين إتمان، أنه تأثر سكان 42 ولاية أمريكية، وهو ما يمثل 96 في المائة من السكان من أزمات نفسية ناتجة عن الانعزال في المنازل. وقالت إتمان «وجدنا أن أكثر من ربع الأمريكيين يعانون من الاكتئاب» ثم تابعت «كانت هذه زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف عما كانت عليه قبل الوباء».
من جانب آخر، درست دانا روز جارفين من جامعة كاليفورنيا في إيرفين المجموعات السكانية المرتبطة بأحداث 11 سبتمبر وبالوباء. وقالت في مقابلة مع موقع «فويس أوف أمريكا» إن التمييز بين الأزمتين واضح». وقالت: «في أحداث 11 سبتمبر، أصبح للأمر ضغوط حادة، لكن كان لها بداية ونهاية، الوباء مختلف لأنه مزمن».
يشمل الخوف من كوفيد- 19 فقدان الأحباء، وفقدان الوظائف، وفي بعض الحالات فقدان الشعور بالأمان. وتشير الدراسة إلى أن الأشخاص الأكثر عرضة للتأثر بالاكتئاب هم أولئك الذين لديهم دخل منخفض ولديهم أقل من 5000 دولار في المدخرات.
وفي مقال مصاحب لدراسة إتمان، كتبت شيم «بسبب الهيكل غير المناسب لأنظمة شبكات الأمان في الولايات المتحدة، يمكن أن يؤدي نقص فرص العمل إلى زيادة الفقر، وفقدان التأمين الصحي، وانعدام الأمن السكني، وانعدام الأمن الغذائي».
ووجدت نفس الدراسة أن التكلفة الاقتصادية العالمية للأمراض العقلية من المتوقع أن تزيد على 16 تريليون دولار على مدى العشرين عامًا المقبلة، وهو ما يزيد على تكلفة أي مرض آخر غير معد».
أنقل هذا الكلام موازاة مع الدراسات المقلقة التي بدأت تنشر وتشير جميعها إلى ارتفاع ظاهرة الانتحار في العالم، وبالأخص في الدول الغربية حيث أطلعتنا وسائل الإعلام مؤخراً عن ارتفاع هاته الظاهرة عند طلبة الجامعات.
ففي إحدى التقارير التي نشرتها منظمة الصحة العالمية نقرأ أن شخصاً واحداً يموت منتحراً كل 40 ثانية، ليصل العدد، طبقاً للتقرير إلى 800 ألف شخص سنوياً. وأظهر التقرير أن أكثر من نصف المنتحرين في العالم أجمع هم دون سن الـ 45. وفي فئة الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، يأتي الانتحار في المرتبة الثانية بعد حوادث الطرق كسبب رئيس للوفاة.
ومن أكثر طرق الانتحار شيوعاً هو الشنق وإطلاق النار وتناول المبيدات السامة خصوصاً في المناطق الريفية. وفي هذا الصدد تقوم الرابطة الدولية لمنع الانتحار بتنظيم الاحتفال باليوم العالمي لمنع الانتحار، في 10 أيلول/ سبتمبر. والغرض من هذا اليوم هو إذكاء الوعي بإمكانية منع الانتحار؛ وتشارك منظمة الصحة العالمية في رعاية ذلك اليوم.
فحين تتراكم الأزمات الاجتماعية الضاغطة على الأفراد، كما جرى في زمن دوركايين، أو اليوم مع تداعيات كورونا، تبدأ فكرة الانتحار تراود بعض الناس كمخرج سلبي سريع من الأزمة. وإذا أخذنا مثالاً فرنسا نجد أن ملامح المحاضرات قد تغيرت في الجامعات الفرنسية جراء تفشي فيروس كورونا، إذ منعت السلطات الطلاب من حضور الدروس منذ العزل العام في أكتوبر الماضي، وهو ما أثر في نفسية الطلبة وأحدثت لهم عزلة واكتئاباً ومشكلات صحية ونفسية خطيرة؛ وكانت النتيجة إقبال البعض منهم على الانتحار... وقد أسر إلي العديد من الزملاء الأطباء أن المختصين النفسانيين لم يسبق لهم في تاريخ مزاولة عملهم استقبال هذا العدد اللا متنامي من الناس وبخاصة الشباب منهم الذين يعانون من اليأس والاضطرابات النفسية الخطيرة.
وإذا استندنا إلى العوامل التي تزيد من خطر الاندفاع نحو الانتحار كالفقر والحروب والكوارث وأضفنا إلى ذلك عوامل أخرى من قبيل فقدان الدعم العاطفي والاجتماعي، والطرد من الوظيفة، واليأس، والصدمات التي تعاني منها مجتمعات اليوم، خاصة مع تداعيات جائحة كورونا، فإنني على يقين أن المعتقدات الدينية والروحية الصحيحة تلعب دورًا كبيرًا في الحماية من مخاطر الانتحار؛ فعندما يفشل مجتمع في منظومة القيم والتربية والتعليم، فهنا الطامة الكبرى؛ لأن البعض لن يؤمن بقدسية الحياة، ولن يكون هناك إيمان ولا يقين، ولا فهم لقواعد الأسباب والمسببات المسيرة للكون؛ وسيعدم ذلك جذور التفاؤل الضرورية لحياة الإنسان، وسيجعل من مواجهة الصعوبات والابتلاءات التي قد تصيبه في حياته، أمرًا شاقًا.