خالد الربيعان
كنت سأحدثك -عزيزي القارئ الجميل والقهوة التي تشربها وحدك ولا تقدم لي منها شيئاً كل خميس- عن خريطة كرة القدم المالية، والأخبار عن الجماهير وغياب أرباح بند يوم المباراة أو «بيع التذاكر»، وتأثير ذلك على سلوك إدارات التسويق بالأندية.. لكني فجأة قررت أن أحذف هذا الكلام هذا الأسبوع لأنك في غنى عن أخبار كهذه.. في ظل هذه الظروف، لنحكي قصة «الكومبيوتر»، «الرجل الثلجي»، المزيج بين الآلة والإنسان، دينيس بيركامب، إذا كان يوهان كرويف ذلك المتمرد صاحب السيجارة بين الشوطين: يلقب بالهولندي الطائر، فبيركامب هو مواطنه «غير الطائر»، هل يحتوي الكومبيوتر على مشاعر خوف.. فوبيا من الطائرات طيلة مشواره فيركب القطارات..
يصل مرهقاً متأخراً عن باقي زملائه في أرسنال، المنتخب الهولندي، مع هذا يخرج أشياء.. ينبهر أمامها عباقرة.. نفس الأعمال.. لكنها بأدوات مختلفة.. جيفارا، موتسارت، بورشة، أدولف داسلر.. تجعلك في نفس الحالة.. الجمال
العبقري من عبقر.. مكان في البادية كثير الجن، يقال هذا «عبقري»، متفرد، لا يفوقه أحد أو شيء !، والفارق بين الإنسان العبقري والإنسان العادي، إنه «يخترق حجاب المألوف»، «يكسر حاجز العادي» لأن عقله غير مشدود بأشياء تشده للأرض، الطعام، المال، السمعة، الشهرة، حتى تشجيع الجماهير واستحسانهم.. لذلك كان لا يحتفل بشدة.
أجمل هدف في مسيرة المنتخب الهولندي - التاريخية - بتوقيعه، هولندا في معركة في جو حار مع الأرجنتين.. مونديال فرنسا، الأرجنتين أيضاً نسخة صعبة تضم أورتيجا باتيستوتا فيرون سيميوني.. عصابة لاتينية، ليس مجرد لاعبين، الدقيقة 90، النتيجة تعادل، يركض مدافع هولندا «فرانك دي بور» حتى قبل منتصف الملعب بمسافة، فجأة بنظر قناص يرسل كرة هوائية عالية عابرة للقارات، صعب للغاية كيفية إيقافها، بطريقة ما.. تصل الكرة في الهواء نحو بيركامب الذي يوقفها كأن الهواء فرغ من نصفها!
بعدها يحدث شيء غريب، يطيح بالكرة نحو الأرض لترتفع مرة أخرى كانت النتيجة التخلص من المدافع أيالا.. المندفع.. المرمى ينفتح أمامه، ثم بخارج القدم، في زاوية صعبة للغاية، في الشباك.. معلقون كثيرين انجرفوا بمشاعرهم على جمال هذا الهدف، لا يفعل شيئاً أمام نتيجة استثنائية كهذه سوى الإمساك برأسه.
أجمل هدف في البريمرليج، في ربع قرن منذ انطلاق هذا المشروع بهويته الجديدة حتى وصل لأغلى دوري في العالم بقيمة 9 مليارات يورو تقريبا، وعقود فلكية للبث الفضائي، حمل اسم بيركامب، باتفاق عدد من المدربين، الصحفيين، الجماهير، حتى تقارير الديلي ميل والتليجراف، ذلك الهدف الذي نعرفه لأرسنال أمام نيوكاسل، الاستقبال والتخلص من المدافع ومواجهة المرمى معاً في حركة فيزيائية غريبة أتى بها.
دعك من التلفاز قليلاً، على يوتيوب شاهد ما يفعله هذا الإنسان بشكل عام، ستجد أنها اقرب لأعمال فنية، هو نفسه كان لا يعرف، الذي يجمع بينها هو: الجمال.. المطلوب.. الناتج النهائي.. من كرة القدم وسبب نجاحها، حتى البريمرليج - لأنها «الأجمل» فأصبحت «الأغلى».. الجمال قيمة لو جعلناها أولوية.. سبيل قصير لنجاح وتميز سلعة «كرة القدم السعودية».. لأجل استمتاعنا نحن أولاً، ثم يسوق الجمال نفسه، عربياً وإقليمياً.
+90
«ابدأ: تصل».. ولسنا متأخرين نحن «الأول» آسيوياً قيمة لاعبين - 322 مليون يورو - وعندنا بطل آسيا.. وإن كنا متأخرين - الإخوة المحبَطون والمحبِّطون - فـ«أن تأتي متأخراً.. خيرٌ من ألا تأتي أبداً».