هي مسكينة قد وجدت نفسها وحيدة مدفونة في مفازة ما بين ذرات الرمل بدون نهر ولا بالقرب من بحر أو بحيرة ولا على الأقل بئر أو نبع في واحة ولا أحد يرعاها ولا وجود شيء مثلها يشبهها، هي لا تعلم من أين أتت ولا عن سبب وجودها لأنه ليس بإرادتها ولا عمّن أحضرها لهذا المكان أكان بتخطيط وعناية أو خبط عشواء، هل هي الريح قد رمت بها بعفوية في هذا المكان القاحل، فهي دفنتها لتحت الأرض لفترة من الزمن أم أن السيل قد جرفها وطمرها ولم تعش إلا مع ذرات الرمل ولكنها لا تشبههم هي كما قال إيليا أبو ماضي جئت لا أعلم من أين ولكنّي أتيت، وفجأة وجدت نفسها بدأت تدب فيها الحياة تحت الأرض لأنها قد لامست الرطوبة في مجرى المياه تحت الأرض وبسبب جذور كبيرة بجانبها وتحتضنها وفوق قشرة الأرض حينما يمر عليها أحياناً المطر، شعرت بأنها تريد الخروج من القمقم ومع مرور الأيام خرجت من قشرتها وبدأت فيها الحياة وتغيَّر جسمها من القساوة إلى الغضاضة ومن الموت إلى الحياة وبدأت تدب فيها الحياة كأنها شرنقة الفراشة، بدأت كل فترة تنمو وتتغيَّر عن بداياتها وأخذت تتعرَّف على ما هي ماهيتها مع مرور الوقت، ولكنها ما زالت تسأل نفسها من أنا؟! ولماذا أنا هنا؟! ولأجل ماذا؟! وإلى أين؟! هل سأكون مثل هذه الجذور الكبيرة التي بجانبي كلها أسئلة ومع مرور الزمن تجد هذه البذرة في الصحراء القاحلة بعض الأجوبة ثم خرجت برأسها على سطح تربة الأرض من خلال برعمها فرأت أن لها قداً طرياً وهذا وضع مختلف عندما كانت محصنة في ذاتها لقد تغيَّرت حينما تذوَّقت الماء من المطر واستنشقت الأوكسجين بعدما خرجت برعمها إلى الخارج كما تتغذَّى على الشمس وتجعلها تخرج ثاني أكسيد الكربون، فنظرت لما حولها وقد وجدت أشجاراً كبيرة قد سبقنها هل ستكون مثل أمها الشجرة التي تحتها وبجانبها؟ فهل يا ترى ستكون من فصيلة هذه الأشجار أم أنها نبتة صغيرة؟ وبعد تكاثر أحواض المطر في ذلك المكان كبرت وأورقت خرجت من حولها أزهار في النباتات التي حولها وظنت أنها منهم وتعرفت على مخلوقات جديدة مثل النحلة والدبور والفراش والذباب وصاروا أصدقاء ولكن زياراتهم كانت قليلة جداً، وكانت تتحدث معهم ويتحدثون معها وهذا ما خفف عنها وحشتها وغربتها في هذه الصحراء الشاسعة وصارت تؤنس وحدتها في الليل بالنظر إلى النجوم وإلى البدر في ليلة التمام قد توفر لها أصدقاء وأصبحت حياتها حافلة وأصبحت سعيدة لأنها بجانب أمها، وارت حياتها أفضل عمَّا تحت الأرض ولكنها إلى الآن لم تعرف ماذا ستكون، لأنها لم تكبر وتتضح معالمها فهل سيبقى برعمها أم يموت من الجفاف وحرارة الشمس، وحينما كبرت بقرب تلك الشجرة وتحت ظلها أصبحت مختلفة لأن أوراقها بدون أزهار مختلفة عن النباتات التي من حولها والشجر الذي في الوادي والشجرة التي بجانبها وكانت تظن أنها من فصيلة هؤلاء أو أولئك وبعدها بفترة كبرت وصارت جذعها وأوراقها مختلفة عن الشجر الذي حولها من وبعدما طالت وأصبحت شامخة جاء إنسان وهذب من جسمها بمنجل ولقح حبوب عذوقها التي خرجت منها، وبعدها بفترة أثمرت ثم أخرجت البلح والتمر، إذا إنها نخلة في هذه الصحراء ولكن لا أحد حولها يشبهها وقد ساعدها في هذه الحياة المطر وجذور الشجرة الواصلة للمجاري المائية تحت الأرض حتى كبرت بظلها وأصبحت تعتبر هذه الشجرة أمها التي رعتها، وقد عرفت بعد ذلك حينما جاء ذلك الإنسان تحت ظل الشجرة وأحضر معه تمراً ليأكل منه ويرمي بذوره تحت الشجرة ولكن صديقاتها الفصمات اللواتي يشبهنها حينما كانت في باطن الأرض لم تطل فرحتها بهن فقد حملتهن الريح والرياح إلى مكان آخر ومفازة أخرى ومنهن من قد جرفه السيل عنها بعيداً في أسفل ذلك الوادي.