عبدالوهاب الفايز
عندما استمعت إلى خطاب الرئيس الأمريكي جوزف بايدن في وزارة الخارجية الخميس الماضي، وحدد فيه سياسة إدارته الخارجية، لم أجد فيه ما يدعونا للأمل بالذات عندما أشار إلى إيقاف الدعم لدول التحالف الداعمة للشرعية اليمينية، وأعطى الانطباع أن جهدنا الحربي هو سبب الكارثة الإنسانية كما سماها، ولم يشر إلى المشروع الإيراني التخريبي الذي تسبب بهذه الحرب. هذا التحرك الأمريكي الجديد، غير المطمئن، يعطينا الحق لتقييم المخاطر السياسية والأمنية على المنطقة نتيجة تقديمنا للنوايا الحسنة تجاه أمريكا وتحركاتها وسياساتها.
والمطمئن أن انطباعاتنا ومخاوفنا من التوجه الأمريكي الجديد، والمبنية على الحقائق الواقعية والمواقف التي مرت بنا، يسندها مخاوف السياسيين والمفكرين في أمريكا. من هؤلاء (مايكل دوران)، الزميل في معهد هدسون، والذي عمل في مجلس الأمن القومي في إدارة بوش وهو كان من الباحثين المتخصصين في الأمن والدفاع، وكان لديه موقف سلبي معادٍ للسعودية.. ولكن بعد أن دخل الحكومة ورأى كيف تتعامل بلادنا مع أصدقائها تغير موقفه تمامًا، والعام الماضي كانت له محاضرة مهمة في جامعة برنستون قدم فيها تقييمًا إيجابيًا لأهمية تقوية العلاقات السعودية الأمريكية.
في مقاله المنشور في صحيفة (وول ستريت جورنال) الخميس الماضي رأي أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعود إلى الوضع (غير الطبيعي) في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط. ويرى دوران أن (بايدن ينوي تبديد الجهود التي بذلها ترامب في الملف الإيراني، وإعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه اليمن، بينما تعمل إيران على تقوية الحوثيين ليكونوا النسخة الثانية من حزب الله اللبناني.. مثلما يهدد حزب الله إسرائيل بالقذائف دقيقة التوجيه والصواريخ، فإن الحوثيين أيضاً يهددون السعودية بنفس الطريقة).
والأخطر في رأيه أن بايدن (بدلاً من إجبار إيران على التراجع، فإنه يعمل ضد السعودية، حليفة الولايات المتحدة التي تدخلت في اليمن لإيقاف التقدم الإيراني). وما يراه هو ضرورة المواجهة القوية مع إيران بعكس سياسة أوباما، الذي تخلى عن الردع العسكري التقليدي، وكان هذا بمثابة الضوء الأخضر لإيران (كي تمضي قدماً في توسيع وتسليح شبكة ميليشياتها.. وعندما ترك أوباما منصبه كان لإيران نفوذ قوي على 4 عواصم عربية هي بغداد، بيروت، دمشق وصنعاء).
وأهم مخاوفه هو (التخلي عن الاحتواء، تدمير الردع، تبديد النفوذ، وتقليل مرتبة الحلفاء، وإثراء الأعداء، هي العناصر الرئيسة لإستراتيجية أوباما - بايدن.. أن تسير قوة عظمى على هذا النهج، فالأمر ليس فقط غير طبيعي، ولكنه مخيف).
وفي تقييمه، كرجل دولة، أن (السياسة الطبيعية تقوم على احترام الوصية الأساسية لفن الحكم السليم، من خلال تقوية الأصدقاء ومعاقبة الأعداء، ويمكن التفريق بينهما من خلال تساؤلين بسيطين: ما الدول التي تميل إلى أن تظل آمنة تحت مظلة القوة الأمريكية؟ وما هي الدول التي تسعى لتدمير النظام الأمريكي؟).
فعلاً، هذا المخيف أن الإدارة الجديدة لا ترى أن إيران هي مصدر المشكلات في المنطقة، وخطاب الرئيس تضمن ما تنتظره نظام الملالي مثل إيقاف دعم الجهد الحربي للتحالف الداعم للشرعية وللشعب في اليمني، والإعلان عن (القيادة بالدبلوماسية) والعودة إلى دور الوسيط، وهذه هي (الموسيقى العذبة) على أسماع النظام الإيراني. نفس سياسة أوباما (القيادة من الخلف) التي أطلقت يد إيران في المنطقة!
النظام الإيراني ينتظر فرصة العودة للمفاوضات، فهذه لعبته المفضلة لأنها تقدم (مشروع علاقات عامة) مجاني للدبلوماسية الإيرانية، وأيضًا تعطيه الفرصة لكسب الوقت لتطوير مشاريعه التخريبية القائمة لاستخدامها في خلط المواقف وتعقيد المفاوضات حتى يمل الوسيط أو ينشغل بأزماته الداخلية. هذا الذي يجعلنا لا نتفاءل بسياسة الدبلوماسية الناعمة التي انتهجها أوباما من قبل.
أوباما سبق التعبير عن قناعته في حواره الشهير مع مجلة اتلانتك بأن (إيران لا تشكل تهديداً للأنظمة في دول الخليج، التهديد الحقيقي لها هو من شعوبها). الذي نرجوه هو ألاَّ يكون بايدن يشكل امتداداً لأفكار وسياسات أوباما، وإذا هو عاد إلى تبني سياسة الجزرة مع إيران ولوح بالعصا الإيراني لدول الخليج، فهذه ربما نراها حالة أقرب إلى إعلان الحرب علينا! إيران تشكل تهديداً وجودياً لمستقبلنا.
لقد أحسنت الحكومات الخليجية عندما رحبت بتوجه أمريكا للتوسط لأنها الحرب في اليمن، ونحن أول من سعى وطالب بإنهائها، لأن استمرارها يخدم مشاريع ولاية الفقيه، والشعوب العربية هي الخاسر الأكبر لأن إيران تقاتل بالأموال والدماء العربية، فالعراق مدمر، وسوريا تحتضر، ولبنان مشلول، واليمن يواجه كارثة.
علينا أن نقدم (حسن النوايا) ونستعد للتضحيات.. كما ظللنا نفعل مع كل إدارة أمريكية.. رغم أن حسن النوايا في عالم السياسة قد: لا يحق الحق أو يرد الباطل!