علي الخزيم
قالوا إن سكان المملكة العربية السعودية هم آخر من ينام في الكرة الأرضية! ويُرجِعون المعلومة إلى موقع قياس إلكتروني يَدَّعي مراقبة سكان العالم ايُّهم ينام مبكراً؟ فقد زعم تطبيق (cycle sleep) المتخصص بقياس جودة طرق النوم عبر العالم أن الشعب السعودي من أكثر الشعوب التي تُفضل السهر والنوم المتأخر، ولأن إحصاءاته الرقمية أسبوعية فقد كشف إننا آخر شعب خَلَد للنوم خلال الأسبوع الأخير من يناير المنصرم وتحديداً عند الساعة (1.22 ص)، والفرق بيننا وبين شعب عربي شقيق دقيقة واحدة سبقونا بها! ولو سألتهم عن معايير القياس سيُلقون عليك محاضرة تستمع إليها حد الملل دون قناعة بصواب منتجهم الرقمي، وأميل إلى أن هذا التطبيق وأمثاله إنما جُعل لاجتذاب المراهقين والشباب ومن ليس له ما يشغله سوى متابعة ما يُبَث عبر الأجهزة المحمولة فيعرضون عليهم الإعلانات التجارية واجتذابهم إلى سلوكيات شرائية عشوائية لا نفع ولا جدوى منها البتة.
لا يمكن ضبط وأطْر الناس على النوم بوقت محدد لا سيما بالعصر الحديث إذ تتنوع الأعمال وتتشعب الوظائف والخدمات العامة ما يدعو لاستمرارية أغلبها طوال اليوم بليلته فيتولى أمرها العاملون الساهرون ليلاً، وبلادنا ولله الحمد بفضل قيادتها الوطنية المخلصة الوفية لشعبها قد أوصلتنا إلى مصاف البلاد الناهضة المتطورة، وبلغت بنا جودة الحياة إلى تعدد وتنوع مصادر الرفاهية ورغد العيش وصفوه؛ ويستتبع ذلكم اتساع الخدمات وتنوع أنماط حياة الناس فمنهم من يجد متعته بالسهر حيث يجد الوقت للقراءة والاطلاع ومشاهدة الحوارات والأفلام المتلفزة المفيدة، ومنهم من يلتزم جاداً بعمله الصباحي فلا يرهق نفسه بالسهر دون مبرر منطقي ويترك متعة السهر لإجازة نهاية الأسبوع وهي كافية لمن يضبط أوقاته ويستثمرها بوجهها السليم، ولكن كيف نوفِّق بين أقوال وأمثلة تتعلق بالنوم وهي تبدو متناقضة؛ مثل قولهم: لا ينام مبكراً سوى الدجاج، مع أن الطيور الجارحة تنام بذات الوقت، وقولهم النوم (للرخوم) ويعززونه بجملة من طلب العلا سهر الليالي! والرخوم من فصيح العامة أصلها عربي فصيح؛ وهي تشبيه للرجل الكسول بطائر الرخم وهو أكبر من الصقر ويُشْبِه النسر بخِلقته لكنه كسول أحمق لا يصيد ويتغذى على بقايا الفرائس.
وللسهر والنوم في الضُّحى (من غير داع) أضرار صحية معروفة كاعتلال القلب وظهور الأورام والسمنة وما يتبعها من الأمراض المزمنة، وفقد التركيز الذهني وصعوبات التعلم، فأكبر فائدة للنوم المبكر (بقدر الإمكان) هو تعزيز الصحة العامة، والتأسيس لنمط جودة الحياة وصحة الأبدان، وحين تَغَنَّى بعض العرب بأشعارهم وامتدحوا الحبيبة بوصفها (نؤوم الضُّحى) فهي كناية عن أنها مُترفة مُرَفَّهة مُستغنية مخدومة ولا تحتاج للتمنطق بنطاقها صباحاً للعمل بمنزلها، كما يُفسِّره امرؤ القيس:
وَتُضْحي فَتِيتُ المِسكِ فوق فراشها
نؤومُ الضُّحى لم تَنْتَطِقْ عن تَفضُّلِ
وتحوَّل هذا الوصف إلى تعبير اصطلاحي يسير مسرى الأمثال، إلَّا أن شاعراً قد اختلف مع هذا المفهوم فقال:
أَلا إنّ نَوْماتِ الضحى تُوِرثُ الفَتَى
خَبالاً ونوماتُ العُصير جنون