محمد آل الشيخ
اغتيال الناشط الشيعي اللبناني لقمان سليم من قبل ميليشيا حزب الله هي رسالة واضحة الدلالة إلى اللبنانيين الشيعة أولاً، وثانياً وهو الأهم، للمجتمع الدولي بأسره. هذا الحزب الإرهابي إيراني التمويل والتوجه والمعتقد أراد أن يقول للبنانيين إنه المُتصرِّف الأول والوحيد في الساحة اللبنانية، وأن من تمرَّد عليه، حتى وإن كان شيعياً مثل لقمان سليم ، فلينتظر التصفية، فليس ثمة ما يخشاه هذا الحزب من المجتمع الدولي، لأنه تابِع لمنظومة الإرهاب الإيراني، وهذه المنظومة تتبع بكل وضوح للحكومة الإيرانية، وتسعى إلى تنفيذ أجندتها، غير آبهة لا باللبنانيين ولا بظروفهم ولا بأحوالهم المعيشية، فلبنان ما هو إلا ساحة تُرسِل منها إيران رسائلها للعالم ليس إلا، ورئيس جمهورية لبنان ومعه أغلب المتنفذين فيه يدينون بالولاء المطلق للحزب ورئيسه السيد حسن نصر الله، وفي ظل هذه الأجواء فالفرصة سانحة ومواتية لحزب الله لاستعراض العنتريات وتصفية الحسابات، طالما أنهم واثقون بأن مُحاسبتهم من قبل المجتمع الدولي غير واردة خاصة من الأمريكيين.
ولا يمكن قراءة عملية الاغتيال هذه بمعزل عن الحكم القضائي الذي صدر في بلجيكا على (الدبلوماسي) الإيراني أسد الله أسدي بالسجن 20 عاماً الذي كان ينوي (تفجير) مؤتمر المعارضة الإيرانية في فرنسا عام 2018 ويقتل - كما يتوقعون لو نجحت العملية - المئات، وتلك الجريمة البشعة فيما لو تمت، لكانت أكبر جريمة إرهابية في تاريخ أوروبا في العصر الحديث، وكان من الواجب أن تكون محاكمة أسدي محاكمة لدولة الملالي برمتها، حيث إن المجرم كان دبلوماسياً في السفارة الإيرانية في فيينا، إلا أن حصر مسؤولية الجريمة في المجرم دون أن يمتد إلى الدولة، أوحى بأن أوروبا تتملص من اتهام دولة إيران بالإرهاب، فجاءت هذه العملية الإرهابية في بيروت لتقول للأوربيين إن ميليشياتهم لا يمكن ردعها، ولا خلع أنيابها الإرهابية، وهم على استعداد للتصعيد وليس الردع.
ويبدو أن حادثة الاغتيال هذه هي بداية سلسلة من الاغتيالات ولن تكون الأخيرة، طالما أن الأوربيين يتحاشون مواجهة الإرهاب الإيراني، ويجب ملاحظة أن هذه العملية استقبل بها الإيرانيون بداية تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أظهر بعض اللين في معاملة إرهاب الإيرانيين، ما أغرى الملالي في طهران بإبقاء الرئيس بايدن ومعه دول أوروبا تحت ضغط العمليات الإرهابية؛ ليدفعوه إلى التباحث معهم ورفع العقوبات الاقتصادية التي تقض مضاجعهم.
وكان حزب الله قد قام بعدد من الاغتيالات المماثلة ابتداء من عام 2004 كان أشهرها عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري الذي دانت المحكمة الدولية أحد كوادره بالجريمة، غير أن الحزب (طنَّش)، ولم يُسلم المجرم، وسكت المجتمع الدولي، كما التزمت الحكومة اللبنانية الصمت، ولم تطالب بتسليم المجرم للعدالة.
ظاهرة حزب الله وإرهابه ووقوف إيران خلف جرائمه على رؤوس الأشهاد، يوحي بأن هناك من يرفض توجيه الاتهامات لدولة الملالي، وحصر الإرهاب في أفراد المذهب السُّني، وتبرئة الإيرانيين الشيعة من تبعاته؛ فالمسلمون السُّنَّة، وهم الأكثرية المطلقة من المسلمين، بدؤوا يشعرون بهذا الانحياز الذي لا يجدون له تفسيراً إلا الرضوخ للابتزاز الإيراني.
إلى اللقاء