منال الخميسي
الحياة على هذه الأرض لا يمكن أن تستمر بدون عطاء، والاحتواء كل حسب موقعه في العائلة أو البيت أو العمل أو حتى على مستوى الصداقة والجيرة.. إلى آخره.
العطاء يكون عند أناس معينين بلا حدود، دون انتظار مقابل أو حتى تقدير، مجرد أن يعطوا للغير عناية واهتمامًا وأشياء مادية.. فهذا منهج حياة، وموهبة لا يتقن التعامل بها إلا القليل من البشر، وغالبًا ما تكون الأم. أما الآخرون من البشر العاديين فالعطاء عندهم لا بد أن يكون له مقابل مساوٍ أو أقل أو أكثر حسب مفهومهم الشخصي. مجرد أن تشعرهم بأنهم يقدمون لك شيئًا فهذا جل أمانيهم، وتراهم عندما يتم تقديرهم منك في أعلى درجات السعادة.
الإنسان دائمًا ينتظر الخير من الآخر، وخصوصًا لو بادر هو بتصرف حسن، أو تنازُل، أو إيثار.. ودائمًا ما ينتظر المعاملة بمثل ما أعطى إن لم يكن زيادة. إنها فطرة البشر.
وعندما خاطب الله -عز وجل- عباده عبر رسله قدّم لهم مقابلاً لعبادتهم وصلواتهم والتزامهم بدينه؛ لأنه - عز وجل - عالِم بمن خلق، وبطبيعتهم المطالبة دائمًا بالشيء مقابل الشيء. العبادة والتوحيد تقابلهما الجنة والرحمة والمغفرة منه - عز وجل -؛ لذا عندما يعطيك أحد الأشخاص مشاعر أو تنازلات أو إيثارًا أو مودة لا بد أن تشعره بقيمته وعظمة ما قدم لك، وتثني عليه، وتعطيه أيضًا ما يحب أن يرى منك من رد للجميل، أو بمعنى آخر رد للاهتمام.
تعوَّد على أن لا تأخذ فقط، وكأنه حق على الآخر أن يستمر في السؤال عنك ومنحك المشاعر والاهتمام، وأنت تتلقى هذا الاهتمام بفتور وترفُّع، وكأنك أعظم منه شأنًا، وأعلى قدرًا، بينما هو أعلى بعطائه وإيثاره، وأنت تجعله معك في شبه علاقة أو شبه اهتمام؛ إذ تضعه دائمًا آخر قائمة الاحتياطي عندما تفرغ من الاهتمام بكثير ممن هم حولك. أما هو فعليه أن ينتظر أو أن يستمر في السؤال عنك، ودائمًا تقدِّم له الأعذار التي لا يمكن أن تقدمها لغيره ممن تخاف فقدانهم، لا لشيء إلا لاعتقادك أنهم الأهم، أما هو فتعوّدت منه على التغاضي والسكوت، لا لشيء سوى أنه يحبك، أو يضعك في مكانة عالية.
يظل يعطي، وأنت تظن أنه سيكون كذلك دائمًا، وأن اختفاءه من حياتك أمر غير مهام لك، لكن بمرور الوقت سوف تدرك أنه كان بين يديك كنزٌ أضعته، وقلب لم تقدر عطاءه لك، بينما كان يمكن أن يكون هذا الكنز بلا حدود فقط إن التفت إليه، ووضعته في أول قائمة اهتماماتك.
العطاء واحتواء الغير، خاصة المحبين لنا، والحريصين علينا، لا بد أن يكون من أولويات حياتنا اليومية؛ فسنوات العمر بالغة القِصَر، لا تنتظر مرورها كي تبكي على ثانية أضعتها ولم تعتن بمن أحبك وأعطاك.
أتساءل دائمًا: لماذا ننتظر الموت لأحدهم حتى نبرهن له أننا نحبه، وكأن الحياة غير مقنعة لنا لتكون مكانًا وأرضًا خصبة للعطاء، وأنه الموت فقط هو من يجبرنا على الاهتمام بمن أخذه ورحل، ولم يعد يجدي اهتمامنا به، ولا محاولة رد الاهتمام، أو حتى رد الجزاء لمن أعطى لنا.