د. حسن بن فهد الهويمل
القفو: تتبُّع الأحداث، والقولُ فيها بدون علم. ضعف الوازع الديني يجر أقدام الفضوليين إلى مزالق الوحل، ومتاهات السبيل.
قصد السبيل لا يوفَّق له إلا من أسلم وجهه للحق سبحانه، وفَوَّضَ أشياءه إليه، وقليل ما هم. غياب العقل، وغفلة الوعي متاهة، كما أن التدين بدون تأصيل واستقامة ضلال، كمن يصيب في التفسير حين يقول فيه من غير علم.
المصادفات لا تحقق الهدف، وليست من الدين في شيء؛ لا بد من وضوح الرؤية، والتبيُّن، والتثبت. ذلك منهج الإسلام. الحياة نظام دقيق، ومسؤولية خطيرة.
من الناس من يملك الجسارة الهوجاء الفارغة من المعرفة، والتجربة، ومن ثم يكون كالأدِلَّاء الجهلة:-
ومن كان الغرابُ له دليلاً
يمر به على جيف الكلاب
اليقين أنَّ نَوَاصِيَ الخلق بيد الله، وأن المكلفين وغَيْر المكلفين يؤدون أدواراً معدة من قبل:- {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب}.
ولما سُئل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن فائدة العمل مع سبق القضاء والقدر قال:- «اعملوا فكلٌّ ميسَّر لما خُلق له».
الله وحده الهادي إلى النجديْن، طريق الحق، وطريق الشر:- {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن}.
الدنيا كالأسنة الحداد، ومع حِدَّتها لا بد من ركوبها:- (وما حيلة المضطر إلا ركوبها).
قد تملك العدول عن قَفْوِ المجهول، ولكن هَوَجَ العواطف يحدوك كالقطيع للاندفاع في المجاهيل، فإذا استبان لك الطريق تَوقَّفتَ، أو عدلتَ، ولكن الثمن الباهظ من الجهد، والوقت، والمال لن يعود. وستجد نفسك أمام شماتة الأعداء، وتأوه الأصدقاء.
كثير من الناس تحكمه العاطفة، وتتحكم فيه الأهواء، وتحدوه الشهوات، وتغريه بوارق الشبهات، ولا تجد أكثرهم معتبرين.
آيات، ونذر، وممارسات خاطئة، وناصح، ومُشِير، ولكن القلوب غُلْفٌ، والأفكار قيعان سبخة، لا تنفع فيها قطرات النصح، ولا مطر التوعية، وكأن الأحداثَ تعيد نفسها.
عِلْمُ المَقْفوءِ شرطٌ لصحة العمل.
- وهل الناس يلتزمون هذا الشرط، ويَدَعُون المجهول؟
لقد تفشى الجهلُ، وجهل الجهل، وأصبح كلٌّ يدعي وصلاً بالمعرفة، حتى الذين يفسدون عمداً، إذا قيل لهم:- لا تفسدوا في الأرض، قالوا إنما نحن مصلحون. والله قد أكد فسادهم:- {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُون}.
وهذا من تزيين سُوْءِ العمل:-
يُقْضَى عَلى المرْءِ في أيَّامِ مِحْنَتِهِ
حَتَّى يرى حَسَناً ما لَيْس بِالحسنِ
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}.
إذا طُمِستْ العقول، واستفحلت العواطفُ، عصفت الحياة بالمندفعين جهلاً، واستخفافاً بالعواقب الوخيمة.
هذا الخسار، والبوار، وسوء الواقع صناعة الجهلة الذين لا يحسبون لعواقب الأمور حسابها.
لقد استغلَّ الأعداءُ ثغرات الواقع، ونفَّذوا من خلالها لعبهم، وعملاءهم، وإعلامهم، فشكَّلوا وعياً زائفاً، وتديناً منقوصاً.
لا حياة سوية بدون عقل يضبط، ووعي يستبين، وعلم يقرر، وورع يردع، ولحمة تقوي.
لقد هانت على أمتنا كرامتُها:-
ومن يَهُنْ يَسْهلُ الهوانُ عَلَيه
ما لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ
شعراء بلوا الحياة، وتقلبوا في أحداثها، وسجّلوا تجاربهم؛ لتكون إضاءات في الطريق المعتمة.
لو عاد (المتنبي) و(أبو العلاء)، ونظرا في أحوال أمتهما..
- ماذا تراهما قائلَين؟