د. محمد بن يحيى الفال
من باب الحقائق التي تدعو للتفاؤل، ومن منطق القول البدء بمسار الإيجابيات الكثيرة والمتعددة، وذلك عند التطرق للسيناريوهات المحتملة لمستقبل العلاقات التي تربط بين كل من البلدين الصديقين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، عليه فإن الحوار الإستراتيجي الذي جرى في العاصمة الأمريكية واشنطن في الرابع عشر من شهر أكتوبر المنصرم يصب بصورة واضحة ليس فيها لبس في مسار تعزيز العلاقات الإستراتيجية بين البلدين. وبتفحص البيان الختامي الصادر عن الحوار الذي ترأسه وزيرا الخارجية في البلدين الصديقين، يتضح بجلاء بأننا أمام سيناريوهات تؤكد بجلاء ووضوح أهمية التفاهم بين البلدين الصديقين لما يخدم مصالحهما المشتركة والتي تعززت بلقاء زعيميهما الملك عبدالعزيز - رحمه الله - والرئيس الراحل فرانكلين ديلانو روزفلت على متن البارجة الحربية كوينسي في الرابع عشر من شهر فبراير 1945، اللقاء التاريخي الذي تم تأكيد أهميته في ديباجة البيان المشترك الختامي للحوار الإستراتيجي للعلاقات السعودية -الأمريكية، والتي بالمناسبة يشهد الرابع عشر من شهر فبراير الجاري الذكري السادسة والسبعين للقاء التاريخي الذي جمع زعيمي البلدين.
ومع قراءة البيان المشترك الموقع من الجانبين والذي صدر عنهما بعد نهاية الحوار الإستراتيجي الهادف لتعزيز العلاقة المتجذرة بينهما نجد بأن البيان اشتمل على ثمانية محاور رئيسة، يتضح بأنها صممت لتغطية كل نواحي التعاون بين البلدين بما يخدم مصالحهما المشتركة ويصب كذلك في تعزيز الأمن والسلم الدوليين. والمحاور وباختصار هي تعاونهما الدفاعي ضد التهديدات المشتركة، تعزيزهما للتعاون الاستخباراتي والأمني لمواجهة الجماعات الإرهابية والمتطرفة والتي يقع على رأس هرمها الحرس الثور الإيراني وتنظيمي داعش والقاعدة، وذلك لحماية مواطني البلدين وغيرهم من مواطني العالم، استمرار تعاونهما في تعزيز حماية البنية التحتية المفصلة في نص اتفاقية التعاون التقني الموقعة بينهما، تعزيزهما لأسواق الطاقة المرنة خصوصاً لعلاج الأضرار الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، تعزيزهما لروابطهما الاقتصادية الثنائية من أجل انتعاش اقتصادي، تعزيز تعاونهما مع الشركاء في مجالي صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تعاونهما في استكشاف مجالات جديدة لاستخدامات الأمن السيبراني وخصوصاً في مجال حماية البنيات الحيوية والتأكيد على تعزيز تعاون البلدين في كل من المجالات الدبلوماسية والقنصلية والثقافية والذي يشمل توسيع المقار الدبلوماسية الأمريكية في المملكة.
هذه المحاور الثمانية للبيان المشترك السعودي الأمريكي في نهاية مباحثات البلدين لعلاقاتهما الإستراتيجية شكلت لتنفيذها وجعلها واقعاً ملموساً خمس مجموعات عمل تنفيذية هي مجموعة الشراكة الاستخبارية والأمنية، مجموعة تفعيل خطة التعاون الدفاعي، مجموعة المصالح الاقتصادية والطاقة، مجموعة تعزيز التعليم والتعاون الثقافي ومجموعة التعاون في الأمن السيبراني. بمثل هذا السيناريو المتميز لواقع العلاقات السعودية الأمريكية والممتدة لعقود من الزمن صمدت فيه أمام الكثير من الأزمات والاختلافات التي لا بد أن تحدث بين الشركاء والأصدقاء والتي كان صوت العقل والحكمة والسياسة تسود فيها في نهاية المطاف، وهو الأمر الذي يقودنا إلى سيناريو آخر محتمل يحمل تأزمات في العلاقات السعودية -الأمريكية لم تتضح إلا بعض مكوناتها وتتضارب فيه تصريحات المسؤولين الأمريكيين وتتعلق في جوهرها حتى الآن بالحرب الدائرة في اليمن مع عصابة الحوثي. والجميع يعلم بأن المملكة ودول التحالف التي تقوده حاولت بكل الوسائل الدبلوماسية منع نشوبها، وذلك من خلال رعايتها للجهود السياسية بين الأطراف اليمنية المتصارعة ونتج عن جهودها توقيع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية لإنهاء الصراع في اليمن، وعُززت المبادرة بوثيقة الحوار اليمني الوطني الذي أقر كل تفاصيل الدولة اليمنية المتفق عليها بين كل مكونات فسيفساء المجتمع اليمني. وبعد كل هذه الجهود المضنية لنشر السلام في ربوع اليمن قامت عصابة الحوثي بانقلاب وحرب بالوكالة لصالح حكومة ولاية الفقيه الكهنوتية في طهران. ومع نشوب الحرب ولتفهم قيادة المملكة بأن عصابة الحوثي المدعومة بأنواع الأسلحة كافة من الملالي، وبإثباتات هيئة الأمم المتحدة لم ولن تضع في حساباتها معاناة المدنيين من ويلات الحرب، فأطلقت المملكة وفي سابقة تاريخية وتزامناً من بداية الحرب مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وسهلت كل الإجراءات المتعلقة بالإقامة والعمل لمئات الآلاف من الجالية اليمنية المقيمة في المملكة والذين يعتبرون أحد أهم مقومات الدعم لأهاليهم في الداخل اليمني وكثفت جهودها الدبلوماسية في المحافل الدولية كافة ومنها مجلس الأمن الدولي الذي أصدر قرارين أمميين عام 2015 بشأن الحرب في اليمن هما القرار 2201 والقرار 2216 واللذان بتطبيقهما تنتهي المأساة في اليمن، ولكن تخاذل المجتمع الدولي عن الالتزام بمسؤولياته جعل عصابةالحوثي ومن خلفهم عرابيهم من ملالي طهران يضربون بالقرارات الدولية كافة عرض الحائط. الاعتقاد بأن المملكة سوف تترك عصابة الحوثي الانقلابية تهدد أمنها بالصواريخ البالستية التي يزودها بها نظام الملالي هو خطأ فادح وغير مقبول البتة، وكانت المملكة قد حذرت المجتمع الدولي من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي والتي أثبتت الأيام صدق تنبأتها، وأضحت عصابة الحوثي بصواريخها البالستية الإيرانية تهدد مدن المملكة ومنشآتها النفطية الحيوية وطرق ومسارات الملاحة الدولية الناقلة للطاقة لاقتصاد العالم.
الحل لتجاوز تأزمات هذا السيناريو إن وُجدت فهي لا تكمن في وقف أو مراجعة تصدير السلاح بل تكمن في التمسك بما صرح به فخامة الرئيس جو بايدن في مقابلة صحفية أخيراً يبدو أنها أقضت مضاجع ملالي طهران، حيث أكد فخامته أن الحل لعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران يكمن بمشاركة الدول الخليجية والمتضررة من تهديدات الملالي لأمن المنطقة. حديث الرئيس بايدن أفزع الملالي في طهران حتي أنهم وفي خطوة استباقية للهروب إلى الأمام صرحوا بأن حل الأزمة اليمنية هو في الرياض، وهو تصريح تنطبق عليه المقولة العربية الشهيرة «كلمة حق أريد بها باطل»، فالحل قطعًا سيكون في الرياض بكونها متضررة كما هو حال الشعب والقيادة اليمنية من انقلاب عصابة الحوثي، بيد أن التصريح الإيراني المثير للاستغراب مرده فقط محاولة التشويش على تصريح فخامة الرئيس بايدن حول ضرورة مشاركة أطراف أخرى في الاتفاق النووي مع إيران مما سينتج عنه سقوط بيادقهم في كل العواصم العربية التي ابتليت بتدخلاتهم التي لم ينتج عنها سوى الدمار والخراب.
حديث فخامة الرئيس بايدن عن اليمن في خطابه الأول عن سياسة بلاده الخارجية والذي ألقاه في مقر وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن والذي تطرق فيه للوضع الإنساني في اليمن، وهو وضع حذرت من تداعياته المملكة منذ اللحظات الأولي للنزاع، ويتوافق قوله بأهمية الحل السياسي للنزاع في اليمن والذي أكده فخامة الرئيس بايدن في خطابه مع ما تم تأكيده كذلك في البيان الختامي السعودي -الأمريكي المشترك بعد مباحثات الحوار الإستراتيجي بين البلدين في شهر أكتوبر المنصرم. اتجاه سيناريوهات العلاقات السعودية الأمريكية نحو التفاهم والتوصل للحلول نرى بوادره في تفهم فخامة الرئيس بايدن لمعاناة المملكة مع الهجوم الذي تتعرض له من صواريخ الحوثيين والتي تشكل تهديدًا لأمنها، ونراه كذلك بتعيين السفير تيموثي ليندركنغ (Timothy Lenderking) مبعوثاً خاصاً لليمن، وهو الدبلوماسي المخضرم ذو المعرفة الكبيرة بالمملكة حيث عمل نائباً لرئيس البعثة الأمريكية في المملكة لمدة ثلاث سنوات بدءًا من العام 2013.
صمدت العلاقات السعودية -الأمريكية في وجه أزمات سابقة والوضع الحالي لا يمكن القول بأنه أزمة بل اختلاف في وجهات النظر وفي حال تطابقها وتضامنها نحو تفاهمات تفاوض جديدة مع ملالي طهران بخصوص ملفها النووي فسيكون ذلك دق مسمار محوري في نعش تدخلات الملالي في شؤون دول المنطقة بأسرها بما في ذلك إنهاء معاناة أهلنا في اليمن الشقيق.