لقد كانت كلمات واضحة وصريحة، تلك التي تضمنتها كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله عند استقباله للقادة وكبار الضباط مع بداية انطلاقة عاصفة الحزم، فقد جاء فيها قوله أيَّده الله: «أنتم أبناء هذا الوطن، وأحق مَن يدافع عنه أبناؤه» فقد وضعت النقاط فوق الحروف، وأفصحت بما لا يدع مجالاً للشك عن الدور الكبير المنوط بأبناء هذا الوطن في الدفاع عنه وحماية أرضه وصيانة مكتسباته. فالمواطن هو غَرْس الوطن، وهو ثمرته وقوَّتُه البشرية الفاعلة التي تشارك في بنائه ورفعة شأنه، والمواطن هو حائط الصدّ للوقوف في وجه العابثين بأمن الوطن واستقراره، وأبناء الوطن هم الذين يدفعون عنه شرور أعدائه إذا جدَّ الجدّ.
وانطلاقًا من ذلك جاءت المطالبة بالتجنيد الإجباري للمواطنين، تجسيدًا للدور الوطني، الذي يجب أن يتشرّف به كلّ ابن من أبناء هذا الوطن الشامخ المعطاء، ليكون مؤهَّلاً للقيام بواجباته نحو وطنه، وقادراً على المشاركة في صدّ مؤامرات الحقد والبغي والعدوان. ولقد تتوّجت المطالبة بالتجنيد الإجباري بالدعوة الصادرة من سماحة مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كِبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ يحفظه الله إلى التجنيد الإجباري للشباب، فقد لقيت دعوته صدًى طيّباً في
النفوس، لما نؤمله مع سماحته في أن تكون لدينا قوة لا تُغلب من شباب هذا الوطن المدربين والمتسلحين، والمستعدين دائماً لصدّ أي عدوان، ومقاومة أي شيطان، تُسوّل له نفسه الاعتداء على هذا الوطن، أو المساس بعقيدته أو الإساءة للمقدسات التي يقوم على شرف خدمتها ورعايتها وحراستها.
وهكذا تأتي الحاجة إلى التجنيد الإجباري من منطلقات الدفاع عن الدين، والدفاع عن أمن الوطن الذي نعيش على أرضه الطيبة، ويفرض علينا شرف الانتماء إليه أن نكون على أهبة الاستعداد لدرء الأخطار عنه، والوقوف في مواجهة ما يحاك ضده من مؤامرات الحاسدين، فقد أمرنا ديننا الحنيف بإعداد القوة قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ}، وقال تعالى في مُحكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا}. فإعداد العُدة كفيلٌ بإيجاد مناخ لردع الأعداء، حين يشعرون أن أبناء الوطن هم جنوده الأوفياء المخلصون الذين يسترخصون الغالي والنفيس في سبيل حماية مقدساته، والمحافظة على مكتسباته وتحقيق أمنه واستقراره.
ولعله من نافلة القول إنه مهما اختلفت المسميات حول التجنيد الإجباري أو الإلزامي أو الخدمة الوطنية أو خدمة العَلَم، فإن كل تلك المسميات تصبُّ في النهاية لصالح هذا الوطن، الذي نتشرف بانتمائنا إليه، وقد شهد من أبنائه في فترات تاريخية مضت ما سجَّله تاريخ الوطنية على أرضه من مبادرات مشرّفة لا تُنسى في التطوع والتدرب على السلاح، وليس ببعيدٍ عن ذاكرة أبناء جِيلِي أنه كان لنا شرف التطوع للدفاع عن الوطن حينما جدَّ الجدّ، وتدربت مع غيري من الشباب حينها على الحياة العسكرية وعلى استعمال السلاح في الدفاع عن الوطن وردّ العدوان، كما شهدت فترة ماضية قريبة تلك الصورة الوطنية الزاهية حينما تسارع وتدافع أبناء المملكة للتطوع وحمل السلاح دفاعًا عن الوطن ونجدةً للأشقاء، في مبادرة وطنية يسجلها تاريخ المملكة في أزهى الصفحات وسيظل شعارها محفورًا في النفوس وناطقًا بالمقولة المأثورة «وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه»، وها هي الآن وعلى قمة الدروس المستفادة من عاصفة الحزم تأتي الرسالة القوية الواضحة لتؤكّد لنا ولغيرنا أننا قادرون على حماية حدودنا ووطننا ونجدة أمتنا.
وإذا كان التجنيد الإجباري مهمًّا وضروريًّا لإعداد أبناء الوطن للدفاع عنه، فإنه يمثل أيضًا أهمية كبرى في غرس السلوك الوطني العملي في نفوس شباب الوطن، وتعميق مظاهر الانتماء لديهم، وتمكينهم من مقاومة مغريات وأساليب الخديعة والزيغ والضلال، التي يسعى أعداء المملكة لاستخدامها سلاحًا يستهدفون به أبناء المملكة، إضافة إلى ما تعمّقه حياة الجُندية من التلاحم الوطني الذي هو من أقوى الأسلحة في مواجهة أعداء هذه البلاد الآمنة دائمًا بإذن الله.
كما يمَكّن التجنيد الإجباري أبناء الوطن من مكافحة إغراءات المخدرات وعصاباتها المأجورة وغيرها من وسائل القتل والتدمير والتخريب التي يروّج لها أعداؤنا لتدمير حاضرنا وتهديد مستقبلنا، كما يُتيح التجنيد الإجباري الفرص الحقيقية لبناء الأجسام والعقول، ومحاربة المظاهر الاجتماعية السيئة التي يمكن أن تستشري لدى الشباب في غياب حياة الضبط والربط والانضباط والالتزام، والتي هي من أساسيات الحياة في مدرسة الجندية والعسكرية، ونحن أحوج إليها في إعداد أبناء الوطن للمستقبل.
ولذلك فإننا أبناء المملكة اعتزازًا بقيادتنا ووطنا، وفخرًا بكافة قواتنا المسلحة وثقةً بها وتقديرًا لها، واستشعارًا بالمسؤوليات التي يفرضها واجب الانتماء الوطني نؤمن عن يقين بأنه قد آن الأوان للبدء في إيجاد نظام للتجنيد الإجباري أو الإلزامي ليتشرَّف كل أبناء الوطن للانخراط في الجندية، ويصبحوا مؤهلين للدفاع عنه، فهم الأولى بذلك والأجدر بنيل هذا الشرف العظيم، دفاعًا عن عقيدتنا ووطننا وحاضرنا ومستقبلنا، وهذا ما لخصًّه سماحة المفتي العام ودعا إليه حين قال: «إننا في المملكة نعيش في نعمة الأمن وهي نعمة يحسدنا عليها الآخرون، ومن باب شكر النعمة أن يكون شبابنا في حالة استعداد دائم للدفاع عن الدين والوطن، من خلال تدريبهم عبر التجنيد الإلزامي».
ندعو الله أن يحفظ لنا أمننا وقيادتنا ووطننا، وأن ينصرنا على أعدائنا، إنه سميع مجيب.
** **
- وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام، سابقًا