د.عبدالله بن موسى الطاير
الحوثيون منظمة إرهابية في نظر اليمنيين، وعملاء يحاربون بالوكالة، وبذرة شيطانية لاستحثاث ولاية الفقيه اليمني بعد تأخر ظهور الفقيه اللبناني. رفعهم من قوائم الإرهاب الأمريكية لا يعني بحال من الأحوال إقراراً بما يصنع الحوثيون، ولا تخويل بمواصلة تخريب اليمن واستهداف السعودية. إنها جماعة إرهابية استولت على دولة، وهجّرت شرعيتها إلى المنفى في عدوان فريد من نوعه. المزيد من الوقت سيعني إعادة تشكل السلطة في اليمن وإعلان دولة على غرار ولاية الفقيه، حيث أثبت اليمنيون استسلامهم لذلك، وأنهم أقل مقاومة وتحصيناً من اللبنانيين.
إلغاء تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية ليس تراجعاً عن التصور الأمريكي للجماعة «وسلوكهم البغيض، بما في ذلك الهجمات على المدنيين واختطاف المواطنين الأمريكيين»، وإنما هو لدواع إنسانية. ولذلك شددت إدارة بايدن على الالتزام: «بمساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها ضد هجمات الحوثيين»، ورفعهم من قائمة الإرهاب «يرجع بالكامل إلى العواقب الإنسانية لهذا التصنيف».
وقبل هذا أعلنت الإدارة الأمريكية الجديدة إيقاف الدعم للعمليات العسكرية في اليمن، وهو دعم استخباراتي وتسليحي لتقليل الآثار الجانبية للقصف الجوي، وتجنيب المدنيين والمنشآت الإصابات غير المقصودة. الإيقاف سيعني أيضاً تجميد طلب المملكة شراء ثلاثة آلاف قنبلة من نوع GBU-39 SDB I، وأكثر من 7000 ذخيرة من طراز بيفواي. الإدارة الأمريكية بررت إتمام الصفقة في بيان صحفي على أنها «تدعم السياسة الخارجية الأمريكية، وتحقق أهداف الأمن القومي من خلال المساعدة في تحسين أمن دولة صديقة لا تزال تمثل قوة مهمة للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في الشرق الأوسط».
الرئيس أوباما سمح بهذا الدعم عام 2015م، ثم أوقفه في ديسمبر 2016م. ومن أجل التزام المملكة بآثار جانبية أقل لجأت إلى دول غربية أخرى مثل فرنسا لتوفير البديل. إصرار المملكة على تجنيب المدنيين ومنشآتهم الآثار الجانبية غير المرغوبة، يعني أنها لا تشن حرباً لتدمير اليمن أو تحقيق نصر عاجل بأي ثمن، وإنما تراعي قدر المستطاع دعم صمود وتقدم قوات الشرعية اليمنية على الأرض، وحماية المدنيين السعوديين واليمنيين من الهجمات الحوثية الهمجية.
تستطيع المملكة مواصلة عملياتها العسكرية بشكل وحشي إذا أرادت، تماماً كما يفعل الحوثيون أنفسهم باليمنيين، وكما تفعل روسيا والنظام السوري مع السوريين، وكما تفعل إسرائيل مع الفلسطينيين. لكن المملكة لم تدخل الحرب لذلك، وإنما لإعادة شرعية مغتصبة ولمنع إيران من موطئ قدم في بلد عربي مجاور.
الترحيب السعودي بتصريحات الإدارة الأمريكية، وتعيينها مبعوثاً خاصاً لليمن، وعزمها على إنهاء الحرب يؤكد على أن العلاقات السعودية الأمريكية أقوى من القرارات التكتيكية التي تتخذ لمبررات داخلية لكل من الدولتين، وتبعث بارقة أمل بانخراط أمريكي حقيقي في حل الأزمة اليمنية المستوردة.
بوضوح، يتعقد المشهد اليمني يوماً بعد آخر، ويدخل فيه لاعبون جدد، ومنذ الأشهر الثلاثة الأولى لبدء عاصفة الحزم لوحظ غياب الإرادة اليمنية للمشاركة، وقيل حينها إن السبب يعود لسيطرة علي عبدالله صالح على القبائل، وبعد اغتيال صالح، توقعنا ثورة يمنية تقتلع الحوثي، وكانت النتيجة المزيد من الاستكانة وزيادة التمصلح من الحرب ببيع المواقف والولاءات. واليوم وبعد مضي 6 سنوات تقريباً، أصبح المشهد اليمني مفتوحاً على كل الاحتمالات، بمظاهر فساد غير معقولة تؤكد على أن المنتفعين بالحرب لا يريدون لها نهاية.
نحن أمام سيناريوهات محتملة، وإن كان بعضها مؤلماً، ولكنه أقل إيلاماً من الحرب وتكلفتها المادية والسياسية الباهظة، وفي جلوس أمريكا مع طالبان على طاولة المفاوضات بعد 20 عاماً من الحرب عظة. إرغام الحوثيين على الجلوس في مفاوضات سياسية مع بقية اليمنيين يتطلب ضغوطاً وضمانات أمريكية على الحوثيين وشركائهم، وعودة الإصلاح إلى طاولة المفاوضات تمليه ضرورة جمع الفرقاء اليمنيين، وإعطاء الشرعية اليد العليا سيحرم الحوثيين من ادعاء النصر والتعنت في المفاوضات التي ستكون طويلة. وضع اليمن على طريق التفاوض مرة أخرى هو القرار الصحيح، ورفض تشكّل حزب الله آخر على حدود المملكة الجنوبية يجب أن يكون شرطاً مسبقاً.
يقيني أن الحوار بخصوص شمال اليمن سيكون صعباً، ولكنه أقل تعقيداً من وضع جنوب اليمن الذي تحول إلى ملعب مفتوح لعدة قوى تؤسس لمصالحها الخاصة وليس لمصلحة اليمن، وهذه التدخلات الدولية في جنوب اليمن ليست أقل خطراً من الحوثيين على أمن المملكة.