عمر إبراهيم الرشيد
ترتكز الرأسمالية على تعزيز الفردانية وغلبة السوق، ويوازيها النظام الديمقراطي ومؤسسات الحكم الدستورية، وهذا في المجمل ما قامت عليه الولايات المتحدة الأمريكية. في السنوات الأربع لحكم الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، برزت هذه السمات كما لم تبرز من قبل وطغى أسلوب رجل الأعمال العنيد في إدارة السياسة الداخلية والخارجية، بينما توارت صورة الرئيس في الخلفية. والأيام دول كما نقول بتعبيرنا العربي، فلطالما دأبت أمريكا على تأنيب الدول شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً ولا تزال على ممارسات تنافي (الديمقراطية) والمواثيق الدولية وما إلى ذلك، حتى رأى العالم فلول المحسوبين على تيار ترمب، وهم يقتحمون مبنى الكونجرس ويشتبكون مع العناصر الأمنية، حتى سقط ضحايا من الطرفين في مشهد لم يكن يتخيله أحد.
بالطبع سيقول قائل أمريكا دولة مؤسسات وإنما هذه أحداث استثنائية ولا بد من العودة للقانون، وهو ما تمثل في محاولة محاكمة ترمب في الأيام الماضية، باعتبار اللغة التحريضية التي استخدمها في إحدى خطبه لأنصاره أيام فرز الأصوات الانتخابية الأخيرة. وهذا صحيح بالطبع، إنما لا ننسى أن المجتمع الأمريكي قد بدأ يشهد بوادر انقسامات دعا الرئيس الفائز بايدن إلى رأبها وتوحيد الصفوف والحذر من انقسام المجتمع، وأن حادثة اقتحام مبنى الكونجرس، إنما هي مؤشر على ما يمر في ذلك المجتمع من حراك وتحول، ومن دون جدال فإن سياسة وأسلوب ترمب في حكم البيت الأبيض قد أسهم فيما وصل إليه حال أمريكا فكان حادث الاقتحام عرضاً مصغراً لحال ذلك المجتمع في رأيي. وحتى لا يظن القراء الكرام أن ما ذكرته إنما هو مجرد انطباع بعيد عن الحقائق، فإن نظرة سريعة إلى منطقتنا والعالم، تبين تراجع الدور الأمريكي وهو ما سهل على خصومها مثل روسيا كي تتدخل في المنطقة عسكرياً، والصين كذلك خصوصاً من الناحية الاقتصادية وهي التي رسخت أقدامها في القارة الإفريقية لتقترب من احتلال المركز الأول كأقوى اقتصاد في العالم. وهذه القراءة لا تعني أن أمريكا محقة وغيرها العكس، فهذه دول تتصارع على مصالحها في المقام الأول وعلى باقي دول العالم وبالأخص منطقتنا العربية وهي الأكثر جذباً لتلك القوى غربها وشرقها، نظير امتلاكها الموارد الاقتصادية والبشرية الهائلة، ولخصائصها التاريخية والجغرافية، أقول على دولها الالتفات إلى التكامل الاقتصادي فيما بينها والتنمية والعمل على إطفاء حرائق الفتن التي يشعلها أعداء المنطقة من فرس وصهاينة وغيرهم، بتشجيع من دول خارج المنطقة بالطبع.
أعود إلى المجتمع الأمريكي محور حديثي هنا، وأذكر بما حدث ويحدث منذ بدايات تأسيس أمريكا، وهو القمع الواقع على الأمريكيين الأفارقة من قبل بعض البيض خصوصاً بعض عناصر الشرطة هناك، وهو أحد أشكال الانقسام في ذلك المجتمع، وهو ما لم ينجح دونالد ترمب في إطفاء سعير أحداثه، إضافة إلى تقييد الهجرة ومنح الجنسية للمقيمين هناك، والانسحاب من معاهدات دولية ومناكفة دول حلف الشمال باعتبارها حملاً على أمريكا حسب رأي ترمب، إلى جانب الدول الحليفة غرباً وشرقاً. والرأسمالية ليست شراً محضاً ولا خيراً عميماً كذلك وإنما هي أسلوب إدارة الاقتصاد القائم على توفير الفرص للفرد وحرية التجارة واقتصاد السوق في العرض والطلب، إنما للرأسمالية أثرها في تعزيز الفردانية على حساب المجتمع إن لم تكن هناك وسائل تضبط إيقاع هذه المعادلة، وهو ما يقوم عليه النظام الإسلامي. ولذلك شكلت فترة ترمب في رأيي قراءة بين السطور كما نقول في تعبيرنا الدارج لتوحش الرأسمالية في أوضح صورها وتأثيرها في استقرار المجتمع المتبني لها، في تعزيز الفردانية ومصالحها على السلم الاجتماعي، هي محاولة استقرائية سريعة ورأي بنيته على خلفيات تلك الأحداث، طابت أوقاتكم وإلى اللقاء.